روسيا وسوريا

25-04-2018
د. حسن مدن

مراراً كرّر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وكذلك وزير خارجيته سيرجي لافروف، أن موسكو لن تسمح بأن يتكرر في سوريا السيناريو الذي تمّ في العراق وليبيا، والمقصد من هذا واضح، فقد أدّى التدخل العسكري الغربي في البلدين إلى إسقاط نظام صدّام حسين بعد الاجتياح العسكري الأمريكي - البريطاني للعراق، وبعد ذلك بسنوات إسقاط نظام معمر القذافي في ليبيا بعد قيام طائرات الناتو بقصف طرابلس وإجبار القذافي على الهروب منها، وملاحقته حتى أوقعته أسيراً في البداية، وقتيلاً في النهاية.
ليس مصير صدّام والقذافي هو ما يعني موسكو، وانهيار النظامين اللذين كانا يقودانهما، وتفكك أجهزة الدولة في البلدين، لأن هذه الأجهزة تتمحور حول شخص الرئيس في المكانين، وما شاع بعد ذلك من فوضى عارمة نجد أجلى تجلياتها في ليبيا الراهنة، وارتداداتها القوية حتى اللحظة في العراق.
ما أثار قلق موسكو، بصورة أساسية، هو أن هذا المصير أدى إلى إخراج موسكو من دائرتي نفوذ أساسيتين لها منذ العهد السوفييتي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وإنهاء أي دور مقرّر لها في رسم مستقبل البلدين، بعد أن آلا إلى النفوذ الغربي، الأمريكي خاصة، والأطلسي عامة.
بخسارة نفوذها في البلدين، وقبل ذلك في اليمن، يوم كان جنوبه المعروف بجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، منطقة نفوذ استراتيجي للاتحاد السوفييتي وحلفائه في أوروبا الاشتراكية قبل انتهاء الحرب الباردة في نسختها القديمة، لم تبق سوى سوريا ساحة تكاد تكون وحيدة لنفوذ الروس، إذا ما استثنينا علاقاتها التي ما زالت طيّبة مع الجزائر، لكن في معادلة الصراع الإقليمي الحالية المعقدة لا يمكن وضع الجزائر على ذات الدرجة من الأهمية والأرجحية التي لسوريا.
لم يكن السيناريو الغربي المرسوم لسوريا، والمستمر حتى اليوم، يختلف عن السيناريو الذي اتبع في العراق وليبيا: إسقاط النظام القائم المتحالف مع روسيا، وتحويل البلد إلى منطقة نفوذ غربية كاملة لا يعود لموسكو دور فيها، وهذا ما فهمته موسكو جيداً، وهو الخلفية التي ينطلق منها الثنائي بوتين - لافروف في التأكيد أن بلدهما لن تسمح لذلك بأن يحدث، لأنه إن حدث سينتهي أي حضور سياسي أو عسكري لموسكو في المنطقة برمّتها.
بهذا المعنى، فإن دمشق، هي القلعة الأخيرة لبوتين في الشرق الأوسط التي لا سبيل للتفريط بها، لذلك نجده يضع كل ثقله للحيلولة دون ذلك، إما بتعزيز وجود موسكو العسكري المباشر على أراضي وشواطئ سوريا، أو بتقديم منظومات دفاع شديدة التطور لدمشق، أو حتى بعقد تفاهمات براغماتية مع كل من طهران وتركيا، على ما بينهما من تناقض، لبلوغ الغاية ذاتها.
ليست الطرق معبّدة هناك أمام بوتين لتحقيق هدفه. فالتحديات أمامه كبيرة ومعقّدة، لكنه يدرك، بعمق، أن لا خيار آخر أمامه.

madanbahrain@gmail.com