سنديانة ترامب وماكرون

25-04-2018
مفتاح شعيب

زرع الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب والفرنسي إيمانويل ماكرون شجيرة سنديان في الحديقة الجنوبية للبيت الأبيض لتبقى شاهدة على عراقة العلاقات بين البلدين، وتضاف إلى سلسلة من الهدايا التاريخية المقدمة من فرنسا إلى الأمريكيين منها مفتاح سجن الباستيل. أما أشهرها، على الإطلاق، فهو تمثال الحرية المنتصب منذ ثمانينات القرن التاسع عشر على خليج نيويورك.
هذا الرصيد من المجاملات التذكارية بين واشنطن وباريس يؤكد عمق التحالف بينهما والإصرار على استمراره، على الرغم من وجود خلافات حادة ألمت بالطرفين في محطات عديدة ووصلت إلى حد المواجهة السياسية، خصوصاً في عهد الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديجول وصولاً إلى جاك شيراك. وعندما وصل ترامب إلى السلطة العام الماضي، بدا التبرم الفرنسي واضحاً من السياسات الأمريكية الجديدة، وبدأت أزمة مع انسحاب واشنطن من اتفاقية باريس للمناخ وتفاقمت لاحقاً بسبب الخلاف حول التجارة والاقتصاد وقضايا دولية عديدة منها الاتفاق النووي الإيراني.
كل هذه العوامل لن تجعل من زيارة ماكرون إلى الولايات المتحدة ناجحة مثلما تأمل باريس، ففي العمق هناك كثير من التضارب في مقاربات البلدين حيال الأوضاع الراهنة، ولذلك لا تبدو الأوساط الفرنسية والأوروبية عموما متفائلة، على الرغم من تصاعد الانتقادات للسياسة الأمريكية. وقبيل وصوله إلى واشنطن، قال ماكرون إنه سيكون صريحاً جداً مع ترامب، وخلال محادثاتهما الرسمية أعلن الرئيس الأمريكي أن زيارة نظيره الفرنسي «تأتي في وقت عصيب جداً للتحالف بينهما». وبعيداً عن كلمات الترحيب والإطراء المتبادل والمجاملات، لا تبدو الرؤيتان الفرنسية والأمريكية متطابقتين. وقد يكون من المبكر جداً الحكم على نجاح الزيارة أو فشلها. ولكن تجب الإشارة إلى أن التحالف الأمريكي الأوروبي ليس على ما يرام، وهو يمر بإحدى أسوأ فتراته منذ الحرب العالمية الثانية بسبب سياسات ترامب المثيرة للقلق. وبعد زيارة ماكرون ستكون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل على موعد مع ترامب بعد أيام قليلة. ويتفق المراقبون على أن هذه الزيارات رفيعة المستوى تدخل في إطار ضغوط أوروبية على واشنطن لتعديل مواقفها في بعض الملفات الشائكة التي تستحق التهدئة والتروي أكثر من العجلة والتهور.
التهديد الأمريكي بالانسحاب من اتفاق الملف النووي الإيراني، أحدث شرخاً بين واشنطن وحلفائها الغربيين، ومن أجل ألا تأخذ الأمور سياقاً آخر، تحاول فرنسا وألمانيا وبريطانيا إقناع الحليف الأمريكي بالعدول عن الانسحاب، أو على الأقل تأجيل قراره إلى فترة أخرى، وهذا لن يعرف إلا منتصف الشهر المقبل الموعد الذي حدده ترامب لاتخاذ موقفه النهائي. وبالتزامن مع ذلك الموعد، وهناك مناسبة سيئة يتخوف منها الأوروبيون، وهي تنفيذ تهديد ترامب بنقل السفارة الأمريكية في الكيان «الإسرائيلي» إلى القدس المحتلة. وبينما يرى البيت الأبيض أن خطوته ستكون حسماً لقضية القدس لصالح المحتل، ترى الدول الغربية الأخرى أنها ستكون سيئة وتأتي بتداعيات سيئة تضر بالمصالح الغربية في العالم الإسلامي قاطبة، وستزيد من عوامل عدم الاستقرار.
الرئيس الفرنسي سيبلغ ترامب بهذا القلق الأوروبي، ومن المؤكد أن الخلافات ستظل عميقة، وأكثر ما يخشاه الأوروبيون أن تفشل هذه الجهود ويظهروا أمام العالم ألا حظوة لهم في واشنطن، لأن الرئيس الأمريكي لا يسمع إلا نفسه، وقد لا تثمر العلاقة معه سريعاً مثل شجرة السنديان التي حملها له ماكرون وكل أمله ألا يعود خائباً.

chouaibmeftah@gmail.com