حكاية فظاعتين.. دوما وغزة

25-04-2018
دوج نوبل

قدمت كبريات وسائل الإعلام الغربية تغطية شاملة بأدق التفاصيل لما وصفته بالقصف الكيماوي في دوما، بما في ذلك الأسلحة المستخدمة والمواقع التي تعرضت للقصف. وبدا أن هذا الإعلام يتفق مع قول الرئيس دونالد ترامب إن الرئيس السوري بشار الأسد هو «حيوان يقتل بالغاز» مسؤول عن الموت المروع لسوريين أبرياء، ويستحق بالتالي «قصاصاً قوياً».
وجاء هذا الاستعجال في إصدار حكم حتى قبل أن تجري منظمات دولية أي تحقيقات رسمية بشأن أدلة - إن وجدت - على ما إذا كانت أسلحة كيماوية قد استخدمت بالفعل في دوما وبشأن من المسؤول عن ذلك.
والآن، لنقارن هذه التغطية الإعلامية المكثفة للضربات الكيماوية السورية المزعومة في دوما مع شبه الصمت التام الذي التزمته وسائل الإعلام ذاتها إزاء مجازر الجيش «الإسرائيلي» المروعة عندما قتلت مدنيين غير مسلحين في غزة - بالتزامن مع أحداث دوما.
وقد أعلنت سلطات غزة أن القوات «الإسرائيلية» قتلت 34 فلسطينياً غير مسلح على الأقل، خلال نحو أسبوعين، وأصابت بجروح مئات آخرين، عندما أطلق جنود «إسرائيليون» النار على جموع غفيرة من فلسطينيين مدنيين شاركوا في مسيرة العودة الكبرى في قطاع غزة. ودانت منظمة «هيومان رايتس ووتش» (منظمة مراقبة حقوق الإنسان) الدولية أعمال القتل «الإسرائيلية» هذه، ووصفتها بأنها «غير مشروعة»، و«متعمدة».
وانتشر عبر الإنترنت شريط فيديو يظهر فيه قناص عسكري «إسرائيلي» وهو يطلق النار على فلسطينيين غير مسلحين. وكان هذا مثالاً واحداً فقط على أدلة كثيرة متوفرة تبين أن قتل مدنيين أبرياء كان متعمداً. وظهر في شريط الفيديو قناص «إسرائيلي» وهو يهلل فرحاً بعد أن قتل متظاهراً.
ورفض وزير الدفاع (الحرب) «الإسرائيلي» أفيجدور ليبرمان الدعوات لفتح تحقيق في قتل أولئك الفلسطينيين، قائلاً إن الجنود «الإسرائيليين» الذين كانوا منتشرين على حدود قطاع غزة «يستحقون ميدالية» على ما فعلوه. وبدلاً من أن تصف الولايات المتحدة ليبرمان بأنه «حيوان قاتل»، فقد عرقلت تبني حتى مشروع بيان (وليس قراراً) يصدر عن مجلس الأمن الدولي ويدعو إلى إجراء تحقيق مستقل. أما وسائل الإعلام الغربية، فقد تجاهلت كلياً تقريباً، قتل الفلسطينيين المتعمد.
وتظهر هذه التغطية الإعلامية المشوهة ثلاثة اختلافات. أولاً، الأدلة: فعلى النقيض من التقارير غير المؤكدة بشأن من المسؤول عن الهجمات الكيماوية في سوريا - إن حدثت فعلاً - هناك أدلة دامغة كثيرة، بما فيها أشرطة فيديو، على ارتكاب الجنود «الإسرائيليين» مجزرة ضد مدنيين فلسطينيين غير مسلحين. وثانياً، أثارت الأنباء غير المؤكدة وغير المدعومة بأدلة عن مقتل مدنيين بالغاز في دوما إدانات دولية ودعوات إلى الرد، في حين أن إطلاق القناصة «الإسرائيليين» النار عشوائياً على مدنيين فلسطينيين لم يثر مثل هذه التعبيرات عن القلق والإدانة. وثالثاً، هوية الضحايا. إذ إن وسائل الإعلام العالمية الكبرى، خصوصاً منها الأمريكية، تجاهلت كليا القتل الوحشي لفلسطينيين أبرياء، بمن فيهم نساء وأطفال. وهذا يستتبع بالضرورة أن أرواح الفلسطينيين ليست ذات قيمة بنظر وسائل الإعلام هذه.
وكيف نفسر هذا الاختلاف؟
قبل 30 سنة، شرح ذلك (المفكر والناشط السياسي الأمريكي) نعوم تشومسكي و(بروفسور الإعلام الأمريكي) إدوارد هيرمان، في كتابهما «صنع القبول». والمسألة الجوهرية في الكتاب هي أن هناك تمييزاً في وسائل الإعلام بين ضحايا «ذوي قيمة»، وضحايا «غير ذوي قيمة». وأظهرت أبحاث الكاتبين أن وسائل الإعلام الأمريكية تصف دائماً ضحايا دول معادية، مثل سوريا، بأنهم ذوو قيمة، بينما هي تتعامل مع ضحايا دول مثل الولايات المتحدة و«إسرائيل» بأنهم غير ذوي قيمة. ويؤدي ذلك إلى قبول الرأي العام الغربي برواية وسائل الإعلام الغربية.
وهذا يعني أن ما يحدد ما إذا كان ضحايا ذوي قيمة أو غير ذوي قيمة لا شأن له بإنسانيتهم، وإنما بمسألة ما إذا كانت الدولة التي تقتل وتتسبب بآلام هي دولة صديقة، أو عدوة (بنظر وسائل الإعلام هذه).
هذا لا يمكن وصفه إلا بتواطؤ إجرامي من قبل وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، خصوصاً منها الأمريكية.

كاتب وناشط سلمي أمريكي - موقع «كاونتر بانش»