من يتواصل مع المؤيدين للعرب في أمريكا؟

25-04-2018
عاطف الغمري

لا تخلو الولايات المتحدة من أصوات تندد بالتحيز ل «إسرائيل»، وتدعو لمواقف متوازنة، لا تنحاز تلقائياً ل «إسرائيل»، بما يتفق مع مصالح الأمن القومي الأمريكي، ومصداقية أمريكا في العالم. لكن يقابل ذلك انعدام التواصل مع هذه الأصوات، أو أي حشد لتحركات عربية جماعية ومنظمة، لتبادل الرأي مع هؤلاء، حتى تؤتي مواقفها ثمارها، ويكون لها صدى جماعي لدى الرأي العام الأمريكي، في مواجهة الانحياز المزمن لسياسات الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
مع ملاحظة أنه في أوقات سابقة تبدلت مواقع المختصين بالسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، بمجيء أشخاص عرفوا بالعداء للقضايا العربية، والتحيز بلا حدود ل «إسرائيل». ففي سنوات سابقة وحتى عهد الرئيس هاري ترومان، كان المختصون بالشرق الأوسط في وزارة الخارجية، هم من يطلق عليهم المستعربون Arabists، وهم من أصحاب الخبرة ذوي النظرة المجردة للنزاع في المنطقة. وبرز منهم على سبيل المثال، جورج مارشال وزير الخارجية، ومن حوله فريق مساعديه في الوزارة، عندما اتخذوا موقفاً رافضاً لتوجه ترومان للاعتراف بقيام دولة «إسرائيل» عام 1948، باعتبار ذلك ضد الأمن القومي للولايات المتحدة. وإن كان مارشال قد خضع بعد ذلك لرغبة ترومان. وراجعه مساعدوه في تصرفه، وكان رده عليهم أن ترومان هو المنتخب من الشعب ولست أنا.
وتطورت عملية اختيار من يتولون ملف الشرق الأوسط، وتحديداً مفاوضات تسوية الصراع بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ليصل إلى اثنين من الخبراء اليهود، هما دنيس روس، وديفيد ارون ميللر، وإن كان الاثنان قد عبرا في مراحل لاحقة، عن مواقف تعد معتدلة كثيرا، بالمقارنة بمن خلفوهم في مناصبهم.
ففي عهد إدارة بوش الابن ومنذ عام 2001، شغل هذه المواقع المحافظون الجدد، الذين يوصفون ب «الصهاينة» في المصطلحات السياسية الأمريكية ذاتها. وهم الذين وضعوا لنتنياهو برنامج حكومته للتعامل مع القضية الفلسطينية، وكانوا معادين كلية لاتفاقات أوسلو، وللدولة الفلسطينية، والانسحاب من الأراضي المحتلة.
إلى أن وصل الأمر في عهد ترامب إلى أن عهد بملف القضية الفلسطينية، إلى ثلاثة من اليهود، ممن يتبنون مواقف نتنياهو بشكل مطلق، وهم جاريد كوشنر، وجيسون جرينبلات، وديفيد فريدمان، فضلاً عن تطرف مواقف نائب الرئيس مايك بنس المنتمي إلى «ائتلاف المسيحية - الصهيونية».
هؤلاء يديرون الموقف الأمريكي، على المستوى الرسمي، وتدعمهم نشاطات منظمة من القوى اليهودية الأمريكية، سواء من خلال ضغوطها على أعضاء الكونجرس، أو عن طريق نفاذ أقطابها إلى وسائل الإعلام، وما يخرج عن ندوات مراكز الفكر السياسي المرتبطة بها من أفكار وأوراق بحثية تنحاز كلية لوجهة النظر «الإسرائيلية».
في مواجهة هذه الحشود نجد الخريطة المتعاطفة مع القضايا العربية، تبدو مشتتة، لا تجمعها حركة واحدة، أو متقاربة، وهو ما يفقدها القدرة على مواجهة الجبهة الأخرى. وعلى سبيل المثال كان ويليام كوهن وزير الدفاع في إدارة بيل كلينتون، قد ألقى خطاباً أمام لجنة الاعتمادات بمجلس الشيوخ، قال فيه صراحة: «إن الشعوب العربية ترى أننا متحيزون وغير منصفين، ولا نتحرك بقوة كافية للوصول إلى تسوية سلام في الشرق الأوسط، وأن ذلك خلق لنا ظروفاً معقدة». وفي مناسبة أخرى ذهب كوهن إلى مؤتمر بنادي الصحافة القومي في واشنطن، وتحدث عن ازدواجية المعايير في التعامل مع «إسرائيل»، وعن التناقض الخطير في السياسة الخارجية لحسابات داخلية معروفة.
لم يكن صوت كوهن يدوي في الفراغ، فعلى الساحة الداخلية كان بعض سفراء أمريكا السابقين في دول عربية، يتحدثون في الصحف وعلى شبكات التلفزيون منتقدين التحيز السافر ل «إسرائيل»، فضلاً عن نشاط ثلاث منظمات يهودية أمريكية ترفض سياسات نتنياهو، وتدعم قيام دولة فلسطينية وهي، «أمريكيون من أجل السلام الآن»، و«إسرائيل» فورم بوليسي»، و«جي ستريت». بخلاف عدد من مراكز الفكر السياسي ذات المصداقية، وعلى رأسها مركز جيمس بيكر للسياسات العامة، وآخرين، وإلى جانبهم المؤتمر القومي للكنائس الذي يضم عشرين كنيسة تتوزع فروعها في أنحاء الولايات الأمريكية.
وإذا كان هناك اتفاق عام على أن تحيز الكثيرين من أعضاء الكونجرس ل «إسرائيل»، راجع إلى ضغوط اللوبي اليهودي، إلا أن هناك وجهة نظر ترى أن مواقف بعضهم، راجعة إلى جهل بالسياسة الخارجية. وهو ما يقرره جيمس نويس خبير السياسة الخارجية بمعهد هوفر بجامعة ستانفورد، بقوله إن معظم أعضاء الكونجرس، إما أنهم غير واعين أو غير مهتمين. وأن الكثير من مواقفهم المناصرة ل «إسرائيل»، مدفوعة بتحريض من مجموعة من العناصر النشطة المؤيدة ل«الليكود».
الصورة إذن تظهر مساحة يتحرك فيها طرف بنشاط منظم ومتصل ليل نهار، وطرف آخر يقف بعيداً موقف المتفرج، دون حتى أن يقيم جسور اتصال مع المناصرين له، والذين يتحركون فرادى، وبلا ترتيب أو تخطيط.