الجاذبية بين السياسة والطبيعة

19-04-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل السياسة علم، حتى يتحدث الأكاديميون عن علوم سياسية؟ لندع أدلّة الإثبات وحجج النفي، فمناظرات الفريقين لا نهاية لها. نكتفي بأن العلوم السياسية ليست علوماً بحتة ولا علوماً تطبيقية. لكن، هل تخرج السياسة الدولية عن قوانين الطبيعة؟ الجواب عند أمّ كلثوم: «أهو ده اللي مش ممكن أبداً».
في الطبيعة تمثّل الشموس (النجوم) مركز ثقالة تدور حوله مجموعة كواكب بفعل الجاذبيّة، وتشكل معاً منظومة. للقاعدة شواذ. لا يمكن أن تكون كواكب منظومة خاضعة لجاذبية نجم خارجها. أمّا في السياسة فقانون الجاذبية سائد، ولكنه يكسر قواعد المنطق. كوبا أقرب إلى الولايات المتحدة جغرافياً، وكانت تدور في فلك الاتحاد السوفييتي ستة عقود. في المقابل صارت جورجيا السوفيتيّة سابقاً، في فلك واشنطن. كوريا الشمالية لها قلبان، صينيّ وروسيّ. البلدان العربية كالكثير من بلاد الكوكب، تغيّرت مراكز جاذبيتها مراراً، تارة طوعاً وأخرى قسراً، فئات أخرى تنطبق عليها «ومنهم من ينتظر»، وغيرها من قبيل «وما بدّلوا تبديلاً». ثمّة أيضاً الدول الراقصة على الثقالتين، مثل تركيا العجرمية الفؤاد: «أخاصمك آه، أسيبك لا». هذه المشاهد السياسية، لا وجود لها في الفيزياء، غير أنها خاضعة لقوانين الجاذبية بتطبيقات مختلفة. لا غرابة في هذا علميّاً، فحتى في الطبيعة لا تشبه قوانين فيزياء الكمّ (الكوانتوم) قوانين الفيزياء التقليديّة: الإلكترون جُسَيْم وموجة في آن. سياسيّاً، الإلكترون العربيّ يرفع شعار تحرير فلسطين وينسّق أمنيّاً مع «إسرائيل» ويدفع المليارات لتدمير بلدان عربية.
لكن هذا الطيش الذي لا يحدث في الطبيعة الكونية، هو الذي يدفع السياسة الدولية إلى شفا هاوية من سوء المصير والمسير إلى ثقب أسود. انتظروا قليلاً، فبعد مليارات السنين ستبتلع مجرّة أندروميدا سكة التبانة برمّتها، فلماذا توقدون النار تحت مرجل الحرب الباردة، بينما الوجبة «طبخة بحص»؟ اللاحكمة هي التي تحكم العالم، فالحرب النوويّة أسهل من شربة ماء: تخيّلوا أن يغلي دماغ الباندا البارد فيصدح في ثنائيّ مع الدبّ: أيها النسر، هاك ما لدينا من دولارات، وأعطنا مقابلهاً ذهبا، حينئذ تغدو الطبخة «منسفاً» لكل الكوكب. التنين إلى حدّ الآن يتقمّص شخصية «لاو تسو» في سكينته الصوفية، وفي سمعه يتردّد تحذير بونابرت: «لا توقظوا التنين فإنه إذا استيقظ زلزل العالم». المشكلة في صدام الكبار هي المثل الإفريقيّ: «حين تتصارع الفيلة فإن العشب هو الذي يداس». لا يستبعدنّ عاقل أن يكون الصاعق هو القضية التي أهملها العرب.
لزوم ما يلزم: النتيجة السياسيّة: على النظام العربيّ أن يتعلّم من الأرض الحفاظ على المسافة من الشمس، فشدّة الاقتراب تبخّر المياه، بما فيها ماء الوجه.

abuzzabaed@gmail.com