تونس وحديث النفق

19-04-2018
مفتاح شعيب

نفي الحكومة التونسية مزاعم وجود نفق على الحدود مع ليبيا كان مخصصاً لعبور الإرهابيين، لا ينفي حقيقة أن الجماعات المتطرفة قد عملت في وقت من الأوقات على جعل الساحة التونسية مسرحاً لنشاطها الإجرامي، واتخذت منها أرضاً خصبة لتجنيد المسلحين والدفع بهم إلى بؤر القتال عبر ليبيا إلى سوريا والعراق ومناطق توتر أخرى.
الحديث عن نفق بطول 70 كيلومتراً أمر مبالغ فيه ويجافي المنطق، ويتزامن الإعلان عنه مع الجدل العنيف حول ملف تسفير الشباب التونسي إلى بؤر القتال الأشهر التي تلت الإطاحة بالنظام السابق وفترة حكم «الترويكا» بزعامة حركة النهضة الإسلامية. وهذا الملف خطير جداً وسيدين التحقيق فيه أطرافاً سياسية توهمت في وقت من الأوقات أنها وصية على نشر «الربيع العربي» وتأجيج حرائقه، وهو ما حصل نسبياً بتدمير ليبيا وسوريا، فيما كانت الخطة أن يتمدد التخريب إلى دول عربية أخرى تحت شعارات برَّاقة وواهية خدمة لأجندات تضرب المصالح العربية العليا.
ملف انتشار الإرهاب وجماعاته لم يفصح بعد عن جميع حقائقه، وربما لن يفصح أبداً، بعدما تبين أن دولاً وتحالفات ساهمت في صناعته بالتمويل والتجنيد والتواطؤ. ومن المؤسف أن أطرافاً عدة ما زالت تراهن على هذا المشروع وتحاول الإفلات من المحاسبة. وبالنسبة إلى الحالة التونسية، ومن أجل حماية الأمن الوطني، كانت مطالب الكشف علناً عن جميع المتورطين أمراً مشروعاً ومطلوباً، فما حدث من تبييض للإرهاب وفتح لحدود البلاد أمام مروّجي الأفكار المتطرفة ومديري شبكات تجنيد الشباب يتطلب التقصي والمحاكمة حتى لا يفلت المجرم بجريمته. ومع التسليم بأن تونس قد تمكنت بإمكانيات متواضعة من السيطرة على الظاهرة الإرهابية وتصفية أغلب خلاياها، إلا أنها دفعت ثمناً كبيراً من دماء شهدائها الأمنيين والعسكريين، ومن استقرارها واقتصادها، ومن سمعتها الدولية كبلد متمدن اتخذ نهجاً يعتنق الوسطية والانفتاح ويرفض التقوقع والتطرف وإيذاء الآخرين.
قبل أسابيع اتخذ البرلمان الأوروبي قراراً بإدراج تونس ضمن القائمة السوداء للدول غير المتعاونة في مجال مكافحة الإرهاب وغسل الأموال، وهي خطوة فجَّرت جدلاً سياسياً ومعارك قانونية بين الطرفين ستستمر إلى نهاية العام الجاري. وعلى الرغم من ارتياح الجانب الأوروبي للإجراءات التونسية المتخذة لمكافحة الإرهاب وغسل الأموال، ما زالت تبعات الماضي القريب تلقي بظلالها على الصورة الخارجية للبلاد، ولا يمكن التصحيح إلا بالإصلاح من الداخل عبر تشريح الظاهرة وكشف المتورطين فيها وتبين الحقيقة من المبالغات. ففي غياب هذا الشرط، سيظل الملف يتأرجح بين التهوين والتهويل. ولعل حديث أحدهم عن نفق بطول 70 كيلومتراً للإرهابيين يدخل في هذا السياق، مع العلم أن بناء هذا النفق ربما يستغرق حفره وتجهيزه سنوات طويلة، وهو ما لا يمكن أن يتم، خصوصاً أن الدولة التونسية لم تفقد سيطرتها على مجالها الوطني حتى في أحلك الظروف خلال الاضطرابات الداخلية عام 2011 بالتزامن مع الحرب الأهلية الليبية وما تبعها من محاولات لإشاعة القلاقل والفتن الداخلية.
الحديث عن هذا النفق يمكن أن يكون حقيقة على المجاز، لأن تونس كادت أن تدخل نفقاً طويلاً من الضياع عندما كشَّرت الإيديولوجيا المتطرفة عن مشاريعها الهدَّامة، ولكن الوعي الوطني مدفوعاً بقوة المجتمع المدني استطاع أن يهدم هذا النفق مبكراً ويفتح طريقاً إلى الأمل والمستقبل بكل ثقة واقتدار.

chouaibmeftah@gmail.com