لعيون «إسرائيل»

19-04-2018
حسن العديني

لم يكرم الكرملين الذين صدقوه ويطمئنون إلى أن سوريا محصَّنة من ضربات أمريكية هدد بها دونالد ترامب. في أول الأمر توعدت روسيا أنها ستدمر في الجو جميع الصواريخ وستضرب في البحر منصات إطلاقها. ولم نصدق تماماً فإن لدى الولايات المتحدة من الغرور ما يمنعها من قبول أي تحد يخدش شعورها بالعظمة. والمعنى أن استهداف صواريخها من القواعد الروسية سيعرضها للقصف وعندئذ لن تجد روسيا غير ابتلاع الإهانة لكي لا تخوض في غمار من النار لا يقدر عليه اقتصادها ولا جغرافيتها، ولأن لديها من العقل ما يحميها من التفكير في خيار شمشون النووي.
لهذا هدأت لهجة الخارجية الروسية وانتقلت من التحدي إلى التحذير من سوء العواقب، وتكلم العسكريون الروس عن استمرار التنسيق مع نظرائهم الأمريكيين في أمر قواعد الاشتباك، ثم أضحت الضربة مؤكدة مع تواتر الأنباء عن بداية سحب القطع البحرية الروسية من قاعدة طرطوس.
ولم ينتظر قادة الدول الثلاث (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) تحقيق لجنة التفتيش المكلفة من المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية ونفذوا هجومهم قبل وصولها بساعات. والغريب أن اللجنة جاءت وباشرت أعمالها في مشهد فانتازي دلالاته انحطاط لدى الغرب إلى ما قبل الحضارة حيث يحكم على المتهم وينفذ العقاب ثم يبدأ البحث والتحري للتحقق من الجرم. والواقع أن اتهام النظام في سوريا باستهداف دوما بغاز الكلور يخلو من وجاهة، من واقع أن سوريا جُردت من السلاح الكيماوي في 2013 بتفاهم وتنسيق روسي - امريكي، وأن الجيش السوري كان قد استكمل أو أوشك على تحرير دوما من مسلحي «جيش الإسلام» ما ينفي حاجته للسلاح الحرام فضلاً عن حذره الشديد من مكيدة يعرف أنها تحاك ضده. والمنطق أن البؤرة المتبقية من التنظيم الإرهابي أطلقت الغاز أو أن هذا كله ادعاء يعيد إلى الأذهان ما حدث مع العراق في 2003، ويذكر باعتراف رئيس حكومة بريطانيا الأسبق توني بلير بأن حكاية الأسلحة الكيماوية كانت كذبة أمريكية بريطانية. وليست من الصدف الحسنة أن الرجل الذي أدار الملف العراقي في مجلس الأمن مندوب الأمم المتحدة لدى المنظمة الدولية في ذلك الوقت يشغل الآن منصب مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي.
لكن ما الذي يمكن استخلاصه من الضربة الأخيرة لسوريا؟
لا بأس أن نبدأ من الموقف في العالم العربي، فقد تراوحت المواقف بين التأييد والصمت والتعبير عن القلق. وعلى المستوى الشعبي أظهر الشارع العربي حالة إحباط ويأس واستسلام كما لو أن هناك قناعة ترسَّخت بأن ما حدث من الأشياء الروتينية التي تجري مجرى الأقدار، فلم تشهد عاصمة أو مدينة عربية مسيرة غضب أو وقفة احتجاج. وأما الأحزاب فقد توزعت مواقفها بين التنديد والصمت والابتهاج، وعبَّرت عن الموقف الأول الأحزاب ذات التوجه القومي، وعن الأخير جماعة «الإخوان» كما ظهر من تعليقات كوادرهم في مواقع التواصل الاجتماعي. ثمة استخلاص ثان يتعلق بالسياسة الدولية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد أطلق هذا السياسي الشاب عند دخوله الإليزيه إشارات موحية بأن فرنسا ستنتهج في عهده سياسة مستقلة عن السياسة الأمريكية وخلق انطباعاً بإمكانية إحياء الوجه المضيء لفرنسا الديجولية، لكنه بدد الوهم في لحظة اختبار قاسية. مع ذلك يبقى التساؤل عما إذا كانت معاداة العالم العربي قاسماً مشتركاً بين دول الغرب وأن تمايز المواقف سيبقى إزاء شؤون وقضايا دولية أخرى.
والثالث يخص تطور تعامل الإدارات الأمريكية المتعاقبة مع القانون الدولي منذ جورج بورش الأب وأخيراً مع الدستور الأمريكي نفسه في ظل ترامب.
ففي عهد بوش الأول حرصت الإدارة على توفير الغطاء السياسي والقانوني بإجماع دولي ضد احتلال العراق للكويت وبقرار من مجلس الأمن بإنهاء الاحتلال بالقوة. وفي عهد بوش الابن تم تجاوز الشرعية الدولية بالحرب على العراق بتهمة صنعها خيال مريض فدمر هذا البلد وسلّم جمره ورماده لإيران. وفي العدوان على ليبيا تغير الطلب من تفويض صريح من مجلس الأمن بالتدخل إلى قرار بحظر جوي على الطيران الحربي وتعسفت دول حلف الناتو في تفسير القرار وعبرت فوقه بطائراتها وبوارجها ودمرت ليبيا. واتخذت إدارة أوباما قراراً بالغزو الذي لم يتم على سوريا في 2013 إلا أنها التزمت بنصوص الدستور الأمريكي واستمدت قراراً من الكونجرس. حاليا لا دستور ولا شرعية دولية، فأمريكا على عجلة من أمرها ولا وقت لديها لانتظار قرار.
كانت «إسرائيل» أداة استعمارية تخدم مصالح الإمبريالية الغربية، ولم تعد هذه وظيفتها، فقد أخذوا يخوضون حروبها ضد البلدان والجيوش العربية الكبيرة، وتركوا لها الحرب على الخواصر الضعيفة في فلسطين ولبنان. الحق أن حربهم على العرب ليست لحسابهم الخاص لأنه لا شيء يهدد مصالحهم في الوقت الحاضر. إنها في الواقع حرب بالوكالة ل «إسرائيل».. من أجلها ولحسابها. «إسرائيل» التي تريد إذلال العرب وتمزيقهم شر تمزيق.