الزهايمر التنظيمي وأهمية الذاكرة المعرفية

18-04-2018

يتطلب أي عمل مؤسسي قوي وناجح أن تتم إدارته من خلال قائد ومجموعة من المساعدين، يؤمنون بأفراد المنظمة وقدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم وإبداعاتهم الخلاقة، والتي تكمن في عقولهم، ويتم طرح ما بداخل هذه العقول البشرية من أفكار ومقترحات غير عادية عن طريق ديمومة المشاركات وتفعيلها من قبل الإدارة العليا، والحرص على ذلك سواء كان التشارك رسميا داخل المنظمة أو غير رسمي خارج أسوارها وهو الأفضل والأنجح من وجهة نظري الخاصة.

فالمشاركات العفوية في المناسبات المجتمعية للمنظمة هي الوسيلة السلسة والسهلة لنقل المعرفة من موظف لآخر، ومن مجموعة أفراد إلى آخرين والعكس صحيح، إذ لا بد من وجود قائد يعمل جاهدا على رسم خطة استراتيجية مشتركة يستجدي من خلالها الرأي العام للموظفين ويحثهم ويدفعهم إلى زيادة تفعيل التبادل المعرفي والبعد عن الاحتفاظ بأي فكرة أو خاطرة، والمشاركة بها مع زملاء العمل ومعه شخصيا، ومناقشة تلك الأفكار المطروحة ومكافأة الفكرة التي تستحوذ على الرأي الجمعي وتنتج عنها فائدة عظيمة يستفيد منها جميع الموظفين ويمكن تطبيقها مستقبلا.

ورأس المال البشري في أي منظمة هو أساس نموها واستقرارها ونجاحها وعقلها المدبر والذي أعتبره صمام الأمان والضمان بعد رعاية المولى عز وجل وحفظه، وهو رأس المال الحقيقي إذا ما تمت مقارنته بالمقومات التنظيمية الأخرى «كرأس المال المادي» بنوعيه المالي مثل الميزانية، والعيني كأصول مثل المباني والأجهزة والمكاتب، و»رأس المال الهيكلي» والذي يتمثل في كيفية بناء وتصميم الهيكل التنظيمي للمنظمة وكيفية تسيير المهام والمسؤوليات وتقسيم الأدوار وآلية تمكين الموظفين من تطبيق الإجراءات وماهية العملية المتبعة لانسياب وتمرير المعلومات بين المستويات الإدارية المختلفة وأنواع القرارات الصاعدة والهابطة، ودقة أخذ القرار المناسب في الوقت المناسب وكيفية وصول المعلومة الآنية للإدارة العليا . و»رأس مال العملاء» وهم الواجهة الحقيقية للمنظمة واللاعب الرئيس لنجاح المنتجات وتسويقها، والمحافظة أيضا على العلامة الحقيقية والشعار، وهم من يعملون على رفع إنتاج الشركة أو خسارتها.

فالمنظمة بكل مقوماتها من رؤوس الأموال سالفة الذكر لا تعني شيئا في غياب دور المايسترو الحقيقي لأوركيسترا المنظمة وهو إدارة الموارد البشرية والتركيز على رعاية رأس المال البشري والمعرفي والمحافظة عليه وتوجيه الموظفين التوجيه السليم والتدريب الدائم، ومنح الثقة العالية لقدراتهم وإمكانياتهم وإبداعاتهم، وإبرازها في جميع المحافل والمناسبات، والدعم المستمر من قبل الإدارة العليا والإشادة المستمرة بدور الموظفين، وإشعارهم بأن أفكارهم الخلاقة هي السبب الرئيس وراء نجاح المنظمة واستمرارها في ظل التنافسية في تقديم الخدمات والاستحواذ السوقي.

فالزهايمر كما نعلم مصطلح مرضي يؤدي بالمصاب به تدريجيا إلى تلف في خلايا المخ، وبالتالي إلى مرحلة متقدمة من عدم التذكر التام للمواقف والأشياء والأماكن، وعدم الاحتفاظ بالخبرات التي مرت عليه خلال حياته العملية والعلمية والاجتماعية، ويوصل المصاب به إلى فقد الذاكرة العقلية، ويسبب له نوعا من الارتباك والتراجع والنسيان؛ وقد قمت باستعارة هذا المصطلح المرضي لإسقاطه مجازيا للدلالة به ومقارنته بمخ وعقل المنظمة التي يصبح لديها اضمحلال وتراجع نسبي في الذاكرة المعرفية، وبالتالي تشتت وعدم تركيز وفقد تدريجي لمعظم المعلومات والخبرات والتدريب والمحاكاة العملية مع بعض المنظمات في المجال المهني والصناعي نفسه، وتخبط في تقديم الخدمات والمنتجات التي تم تجميعها على مدار عشرات السنين، وبالفعل تصاب المنظمة بعد ذلك بالتراجع والتأخر والانهزام أمام المنافسين إذا ما كانت منظمة خاصة وربحية، وتوسم بالبطء والتصنيف المتدني إذا ما كانت منظمة حكومية تقدم خدمات عامة للمستفيدين.

والمنظمات في المملكة بكل أنواعها وأنشطتها المختلفة سواء كانت مؤسسة أو شركة أو وزارة أو هيئة بحاجة ماسة وضرورة لازمة لإنشاء «ذاكرة معرفية» تعنى بحفظ كل الخبرات والتجارب، ويديرها رأسمال بشري محترف وفريق متكامل مبدع تحت مظلة قطاع الموارد البشرية بالتعاون مع تقنية المعلومات باستحداث إدارة تسمى «إدارة المعرفة»، والتي تضم عددا من المؤهلين يطلق عليهم «أخصائيو المعرفة» أو «عمال المعرفة»، مهمتهم الرئيسة تصميم نماذج واستبانات آلية عن طريق برامج تدعم الاحتفاظ بالمعلومة والمعرفة لدى المنظمة، حيث يقوم الفريق بإرسال نماذج الاستقصاء إلى كل إدارات المنظمة ومن ثم تخزين ما ينتج عنها من خبرات وأفكار وإبداعات وقصص ملهمة، وتخزينها في ذاكرة المنظمة بإدارة المعرفة، ورفعها إلى أصحاب القرار بطريقة متتابعة، واختيار المقترحات الناجحة وتطبيقها حتى تتمكن المنظمة من تنويع منتجاتها وتجويد خدماتها مستقبلا وتخفيض التكاليف والمصروفات وزيادة الأرباح، لتنعم المنظمة بذاكرة معرفية نشطة وصحية يتم استدعاؤها وقت الحاجة، وتكون بعيدة عن الإصابة بالزهايمر المعرفي.

Yos123Omar@