سيناريوهات مزعجة

18-04-2018

(من رحم المعاناة تولد القوة، عظماء تغلبوا على الإعاقة، رسامين، شعراء وأدباء انضجتهم المآسي!.. قصص صبر الأنبياء وآلام الرسل)

حازت مثل هذه العناوين والروايات الوعظية التحفيزية التي تحكي قصص عظماء نجحوا وغيروا مجرى التاريخ بالرغم من معاناتهم، سواءً أكانت إعاقة جسدية أو اجتماعية أو فقراً شديداً أو طفولة مأساوية، على استحسان فوري من القراء الذين تعوزهم الحماسة والهمة وتوفر لهم شعوراً لذيذاً بالدافعية لا يلبث أن يخبو بفعل الحياة.

 فلا تملك قصة مؤثرة أن تغير القدر.

 تدعو تلك الكتب إلى تحويل المحن إلى منح، وتحذر من الإذعان في الاستكانة والضعف، وتشجع على النهوض فوق تل الحجارة التي قذفت بها صروف القضاء.

 ومثل ما جاء في الكتاب الشهير (دع القلق وابدأ الحياة) للكاتب (ديل كارنيجي): «إذا كان لديك ليمون فاصنع منه عصير الليمونادة «.

 كل تلك القصص جميلة وتشعل في الوجدان الحماسة، لكن الأقدار وخصائص الظروف الزمانية والمكانية تفرض سيطرتها ولا يمكن استنساخها. فليس كل حوامض القدر طعمها مستساغ.

 صحيح أن الإهانة أو الشعور بالنقص أو الضعف قد يمثل أقوى محفز للإنسان لإثبات كفاءته الفردية والاجتماعية، إلا أن القدرات النفسية البشرية متنوعة ومختلفة ولا يمكن أن تتطابق في جلّ تفاصيلها.

 فالبشر أمم وأفرقة، فهناك من تكسره الرزايا والنوائب، وهناك من يشتد عوده بها ويصلب، فالأطفال الذين ينشأون في ظروف غير صحية مثل أزمنة الحروب والنكبات أو لوالدين يعانون من اضطرابات وأزمات، قد ينجون من تبعات تلك الظروف ويتابعون تطورهم الجسدي والذهني بندبات باهتة من شأنها الاضمحلال، ونماء للمناعة والحصانة من آثار وأضرار الصدمات التي قد تعترض حياتهم فيما بعد، أولئك يتمتعون بقدرة تسمى بـ المرونة النفسية أو الاستيعابية (Resilience) والتي تعني امتصاص الضغوط والانحناء لها والعودة إلى الوضع الطبيعي بعد انقضائها دون أن يترتب جراءها علامة وجرح لا يندمل، بل وقد يحدث أن تُستثمر جيداً تلك المعضلة في التفوق الفردي أو أن تكون شاحذة، منمقة ومهذبة للقدرات الذاتية.

بينما الفريق الآخر من الناس يستعصي عليه استيعاب الضغوطات والصدمات فيظل يقاوم فتنهكه مقاومة المشاعر ويفقد السيطرة على فرط انفعاله وهيجان عاطفته فيتفجع إثر مصيبة تحل به أو شدة تعتصره تماماً، فلا يستطيع أن يتجاوز ما حصل له فتحل عليه الكوابيس والقلق ونوبات الهلع ولا يكف عن إعادة سيناريو الصدمة الذي يتشظى إلى سيناريوهات خانقة ومزعجة من صنع مخيلته.

 ما أريد أن أقوله هو إن لكل نفس وسعاً وطاقة فانسكابك في إناء الآخر قد يحطمه، فما يلائم الآخر ليس بالضرورة أن يلائمك وهذا لا يعني أن أحدكم قادر والآخر عاجز، إنما لكل شخص أطياف وألوان من الضعف والقوة.

الغلبة والاقتدار والتمكن لمن استطاع وتمكن من أن يعرف ذاته وكوامنها.