برهان الدجاجة والبطريق

18-04-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل تستطيع الدعابة تغيير مجرى العلوم؟ يذكّر القلم دائماً بأن السخرية ليست «مسخرة». مرّ أكثر من قرن على الرسوم التي تصوّر التطوّر من المشي على أربع لدى القردة العليا، ثم الوقوف على قدمين مع انحناء، إلى شبيه الإنسان شبه القائم، فالإنسان المنتصب. يبدو أن ذلك كان مسوّدة بحث علميّ جوهر موضوعها يحتاج إلى صياغة جذرية.
أطرف تعريفات الفيلسوف هو أنه «مجموع التناقضات والالتباسات في الأذهان حوله». هذه المقولة تنطبق على تشارلز داروين، الذي لم يذكر أن أصل الإنسان قرد، ولكن الشائعة أطلقها الذين لم يقرأوا كتابه «أصل الأنواع» بدقة، وبعد تحبير الكتب وآلاف المقالات، صار عسيراً أن يدّعي أحد أن كل ذلك الدخان بلا نار. يقول كيسنجر: «ليس مهماً أن تقول غير الحقيقة، فالمهم هو أن يقتنع الناس بذلك».
كاريكاتور الدعابة العلمية طرحت السؤال: أيها العلماء، أنتم تؤمنون بامتناع تلقائية استقامة الوقوف، وترون أن التطور تدريجيّ، فماذا تقولون في الدجاجة والبطريق؟ فبُهت الذي صدّق تلك الرسوم. عاد العلماء إلى أقدم ما لديهم من «النسخ» ذات الهياكل العظمية الواقفة: توماي، سبعة ملايين سنة، أوروران 6م، آردي 4م، لوسي 3 ملايين، جميعاً لم تكن الاستقامة لديها مشكلة. في ذلك قيمة يقينيّة مضافة، فهذا الرباعيّ الواقف ليس من الإنسان العاقل، بالتالي يصبح الآدميّ مضافاً إليه، مستقيماً بين مستقيمين، فالمشي على قدمين ليس حكراً ولا ميزة ينفرد بها جنسنا البشريّ.
ما الذي يميزنا إذاً؟ إنه الماراثون. قبل مليوني سنة، ظهر لدى قدمائنا استعداد للركض منتصبي القامة ولمسافات تنهك الطرائد، ساعد على ذلك كون الرأس والعمود الفقري على خط مستقيم واحد، ووجود رجلين طويلتين قادرتين على التمدد، للاقتصاد في المجهود وتحقيق خطوات وقفزات كبيرة. أما الركبتان فقد استقرتا تحت مركز الثقل الواقع في مستوى الحوض، ما يشكّل زاوية مع عظم الفخذ، خلافاً للشمبانزي الذي عظما فخذيه قائمان بالنسبة إلى الحوض. المفاصل مدعّمة لتحمّل وزن الجسم عند الوقوف: الإنسان يبذل 7% فقط من الطاقة الإضافية قياساً على وضع الاستلقاء. القدمان لهما نوابض تحسّباً للعبة الباسكيت والألعاب الأولمبية والعدو بخاصة. تكوير الأسفل ليس له ما يبرّره غير الاستعداد للجري، فتلك المنطقة مسطحة لدى القردة. ضخامة المجهود وضمان متطلبات قدرات التحمّل، جعلا قدماءنا في حاجة إلى كميات كبيرة من البروتينات والدهون. (المعلومات من مجلة «العلم والحياة» الفرنسية).
لزوم ما يلزم: النتيجة الانشراحية: الحمد لله على أننا لسنا قردة، فلا داعي إلى الإصرار على الانتساب بالأفعال.

abuzzabaed@gmail.com