ضوابط التكريم لأهل العلم وإنتاجهم العلمي عند عبد السلام هارون

17-04-2018

محمد جمعة عبدالهادي موسى
باحث دكتوراه في التاريخ الإسلامي

يعد التكريم العلمي لأهل العلم ورموزه من أشق الأمور التي تقع مسؤوليتها على الجهات المانحة لهذا التكريم؛ فضلا عن التدقيق في وضع الضوابط والمبادئ التي يقوم عليها؛ ناهيك باحتساب التكريم قضاء وبرهانًا على قيمة الإنتاج العلمي المقدم والمرشح له صاحبه؛ دونما أي تدخل من مؤلفه ومنتجه، وهو أمر في غاية الخطورة؛ حيث يشمل هذا التكريم طرفين: العالم وإنتاجه طرف أول، والجهة المقررة لتكريمه بالجائزة بناء على إنتاجه هذا كطرف ثان؛ والتي – كما يقول هارون نفسه- «تمنح حائزها شرفًا يرضى به وترضى له به الناس فيما يرضيهم من نشوة العدالة وروعة الإنصاف».
وقد جاءت كلمة المُحقق الكبير العلامة عبد السلام محمد هارون (18 يناير 1909م/16 أبريل 1988م) التي ألقاها على هامش تكريمه بجائزة الملك فيصل للأدب؛ رائدة تستحق أن توثق وتذكر في تاريخ العلم وجهود القائمين عليه، بما احتوته من كلمات ومعان أدلفت الينا الكثير من الجوانب والمعايير والضوابط المختلفة عند التكريم لأهل العلم واختيارهم؛ فيقول:
«إن تكريم عظماء الرجال الذين يقدمون للدين والإنسانية أقصى ما يستطيع الإنسان تقديمه؛ وإن تكريم العلماء فيما يبذلون أنفسهم وحياتهم في سبيل العلم، ويهجرون الرقاد حين يلذ الرقاد، ويتحملون في نشره وإذاعته بين الناس ما يتحمله المجاهد حامل السلاح؛ إن هذا التكريم أمر إنساني صارت عليه الأمم في جميع الأديان، ولنا في تاريخنا العربي الناصع أمثلة ونماذج، لا يحصيها العد ولا يجمعها كتاب، ولكن هذا التكريم حينما توضع له الضوابط السليمة، وتحوطه الأمانة والذكاء يكون عملا محترمًا أروع ما تكون الأعمال».
وأول ضوابط التكريم للعلماء ألا يطلبونه بذاتهم، إنما يأتي ترشحه من الجهات الموثوقة والمعنية بذلك، المشهود لها بالعراقة والأصالة والمصداقية والرسوخ؛ والتي يصفها هارون «بالعتيدة» فضلا عن أن يشمل كل ذلك توفيق الله تبارك وتعالى، وعونه لأهل العلم، يقول في مستهل كلمته «أسعدني حق السعادة أن ترشحني لنيل الجائزة جهات علمية عدة، وكان هذا الترشيح وحده كافيًا أن أقنع به وأرضى، ولكن الله العلي القدير الذي دائما أشعر برضاه وعونه حين ألتمس العون».
كما يتضح من وجهة أخرى تبيانه لضوابط الناظرين في الإنتاج العلمي للمُكرَّم، وأن يكونوا من شوامخ العلماء المشهود لهم بالأمانة العلمية الخالصة، وقدرتهم على التحكيم؛ الذي وصفه «بالقضاء الأمين»، ونزاهتهم في الحكم على الإنتاج العلمي، والبعد عن الهوى والزيف دونما مجاملة؛ فيقول: «كتب لي [الله] فيما كتب من توفيق أعتز به أن أحظى بتقدير الأخوة الناظرين في إنتاجي العلمي المتواضع، وهم قمم العلم وشوامخه وأعلام الأمانة الخالصة والقضاء الأمين قد أشاحوا بوجوهم عن المجاملات الرخيصة ونأوا بأنفسهم عن الزيف والهوى، حكمتموه فقضى بينكم أبلج مثل القمر الظاهرِ، لا يأخذ الرشوة في حكمه ولا يبالي غبن الخاسرين».
أما منطلقات وأهداف التكريم للعلماء وإنتاجهم العلمي فيتناولها هارون بدقة وقدرة فائقة على التحديد والوصف؛ فيقول: «إن العلم والعطاء لا يعرف وطنًا، ولا ينتسب ولا يُعزى إلى بلد معين، فالعلم والعطاء للإنسانية كلها، والعالم حين يؤلف كتابًا أو يكشف أثرًا من آثار التراث، لا ينظر إلى بلد بعينه، وإنما يقدمه للناس جميعًا في الشرق وفي الغرب، وفي الشمال وفي الجنوب. العلم لا يعرف التعصب، والمعرفة لا تعرف الانتماء، ولذلك كانت فكرة العالمية التي ارتكزت إليها لجنة جوائز الملك فيصل نابعة من روح الحق ومن روح الإسلام التي تدعو الناس جميعًا إلى العلم ليهتدوا بل لتعم الهداية ويتضح سبيل الرشاد».
رحمه الله رحمة واسعة؛ لم يخل جميع ما قدم من فوائد ومنافع، وتأطير للمنهج القائم على التوجيه والاسترشاد حتى في تكريم العلماء وإنتاجهم العلمي؛ فيما تبين من كلمته الطيبة، التي أخذنا منها ما يتعلق بالموضوع، بعد تفريغها من حفل تكريمه المسجل بالصوت والصورة.