لماذا نقول الأقارب عقارب؟

17-04-2018

في تأملاتي الطويلة في الناس، ومحاولاتي الدائبة لفك ألغاز بعض الأنساق الاجتماعية السائدة التي تشغل فكري أحيانا، ويظل يركض في مضامير أطيافها سلوكا وأقوالا، سمعت الكثيرين يقولون (الأقارب عقارب) ومن يقول (بعيد من الأصحاب خير من الأهل)، وقولهم (زامر الحي لا يطرب)، وغيرها من الحكايات التي أسمعها من أصدقائي عن ضيقهم بسلوكيات بعض قراباتهم، وما يجدون من معاناة منشؤها تعامل الأقربين، ثم ما رأيت من اختلاف حال بعض أصدقائي حين يكونون بين أصدقائهم، عن حالهم حين يكونون بين أقاربهم.

الإنسان بطبعه كائن اجتماعي، يسعى دائما إلى (التقدير)، وتقديم نفسه إلى الآخرين في أزهى وأنقى صورة، فربما يرفض أحدنا طلب قريب، ويهرول لتلبية ذات الطلب أو أصعب منه لبعيد أو غريب، وربما تجد الإنسان لطيفا وجميلا ووفيا مع أصدقائه وزملائه، لكنه شرس وكالح وعبوس مع الأقرباء، فتحار في أمره، وبعضهم يرميه ـ جهلا ـ بالتصنع أو الازدواج، لكني أرى غير ذلك، فهرم ماسلو يضع (التقدير) حاجة رابعة من الاحتياجات الأساسية، وغالبا ما يفقد بعض الناس الشعور بالتقدير من أقاربه، خاصة حين يسجلون عليه خطأ، أو يختزنون له موقفا، مهما حاول تغييره والتخلص منه فإنه يظل قارا في ذواكرهم، يحييه أول خلاف معهم.

حين يفقد الإنسان التقدير في مجتمعه الأول، فإنه ينزع إلى البحث عنه في مجتمعات بديلة، ولعل السلوكات الإيجابية التي يمارسها الفرد مع أصدقائه من طيبة وشهامة ونخوة ووفاء وكرم وغيرها، كلها تأتي في سياق رسم صورة صحيحة إيجابية مشرقة عن ذاته في هذا المجتمع الجديد، وليس الهدف فقط رسم هذه الصورة، بل ما ينعكس عنها من تقدير المجتمع البديل، تعويضا للتقدير المفقود في مجتمعه الأصلي، ويتبع ذلك قلة تواصله مع مجتمعه الأصلي، إلا على مضض تفرضه السلطة الاجتماعية في مناسبات خاصة، يعود بعدها مشتاقا إلى مجتمعه البديل الذي منحه القيمة التي يرتضيها لذاته.

على ما سبق، الواجب علينا كأقارب أن نشعر بعضنا البعض بالتقدير، وأن نبتعد عن (التجريح) بمواقف أو أحداث أو أخطاء سابقة، حتى لا نجبر أبناءنا وإخواننا على البحث عن مجتمعات بديلة، لا نضمن هل سيحظى فيها بالتقدير، أم سيستغله الآخرون في ظل محاولاته رسم صورة حقيقية مثالية عن ذاته، فكم من شاب ذهب ضحية قلة التقدير، وضحية محاولاته رسم الصورة المشرقة إلى ذوات مريضة استغلت حاجته، فتوالت عليه الصدمات حتى شعر بالهزيمة وانطوى كسيرا على ذاته.

لنتعلم المسامحة، ولنحاول تغيير الصور النمطية المرسومة عن أحبتنا، ولنقتصد (في الخصومة)، فلا يبرر غضبك من أحد أقاربك أن تستدعي تاريخ مواقفه السلبية كلها، لتعصر ليمونها على جرحه، فلنرفق بهم، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع من شيء إلا شانه.

أخيرا، كم أشعر بالأسف حقا وأنا أتذكر صدور هذا الفعل مني تجاه بعض أقاربي الذين أحبهم، ولا أشعر بالأسف إلا بعد أن أرى الفجوة تتسع بيننا، فلا نرى بعضنا إلا لماما، وإن التقينا فلقاء الغرباء، في مظاهر الرسمية والتوجس.

ahmad_helali@