بؤرة حبنا!

16-04-2018

ما هو الانطباع الأول لديك عندما تسمع اسم «الشرق الأوسط» في حديث أحدهم، أو تقع عينك عليه مكتوبا في ورقة ما؟!

بالنسبة لي فالاسم كان في الماضي مرتبطا بأمرين، الأول هو صحيفة «الشرق الأوسط» التي تعتبر أكثر جريدة اشتريتها في حياتي حتى أشارك في مسابقتها قبل 20 سنة تقريبا، وكنت أشتري في اليوم ثلاث نسخ، وأجيب عن الأسئلة وأرسلها منتظرا النصف مليون في آخر الشهر.

الأمر الآخر الذي يخطر في ذهني حين أسمع «الشرق الأوسط» هو صورة لأحد الأصدقاء النصابين الذي كان يقوم بتأليف تصريحات للاعبي كرة قدم أجانب وأنهم معجبون بناد في «الشرق الأوسط» اسمه الهلال. وهو يضيف الشرق الأوسط لتلك التصريحات التي لم يقلها أحد من باب إضفاء المصداقية حتى يبدو كلامه أكثر إقناعا.

اليوم توقفت المسابقة ولم أعد أشتري الصحف ولم يأت نصف المليون، وأصبح كشف كذبات صديقي سهلا بعد أن توفرت طرق أكثر للبحث، ولذلك فإنه لم يعد يتحدث كثيرا عن الشرق الأوسط.

اليوم حين أسمع هذا الاسم فإنه يرتبط بشكل تلقائي بكلمة أخرى وهي «بؤرة»، وهي كلمة تعني في اللغة «الحفرة»، وهي إحدى قريبات كلمة «بئر، لأنهما مشتقتان من ذات الأصل.

لكن بؤرة تقال اصطلاحا على سبيل الشتيمة، وتستخدم للدلالة على «الحفرة» التي تجتمع فيها الشرور. وهذا أمر يليق بالشرق الأوسط أكثر من أي شيء آخر. واختلف الزملاء علماء السياسة والاجتماع في التأصيل لأسباب هذه السمعة السيئة، فمن قائل إن الشرق الأوسط أصبح كذلك لأن إسرائيل أوجدت فيه، إلى قائل إن إسرائيل وجدت فيه لأنه بؤرة يسهل استعمارها.

أما سبب التسمية فهو ـ والله أعلم ـ أن بعض سكان هذا الكوكب يرون أنهم محور الكون ـ وهم محقون إلى حد ما ـ فقسموا بقية الخلق حسب موقعهم من ذلك المحور. والغريب أن هذا الاسم أيضا يطلقه على هذه المنطقة خلق يقعون شرقها، فالصين والمغول ويأجوج ومأجوج وبقية القارة الصفراء يطلقون مسمى «الشرق الأوسط» على منطقة تقع غربهم على الخريطة. وهذا من أسرار قوة محور الكون الذي سبقت الإشارة إليه.

ومما تتميز به هذه البؤرة الملتهبة أن أكثر أهلها يصدقون الكلام وينكرون الأفعال، ويؤمنون بالشعارات إيمانا لا يخالطه شك ولا ريب، ويكفي أن تنشئ قناة تبيعهم كلاما ليعتبروك رمزا للمقاومة والممانعة والصمود. وكلما زادت خطبك أصبحت منزها عن الأخطاء كأنك خلقت كما يشاؤون.

وعلى أي حال..

الله قدر علينا ـ ولا راد لقضائه وقدره سبحانه ـ أن نكون في هذه المنطقة، وهي كما تعلمون «بؤرة» لأشياء كثيرة، ليس أقلها نكران الجميل وعدم الاعتراف بالفضل. وهذا أمر يجب أن نتعايش معه ونألفه حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا، فالكبار يتصرفون بناء على مبادئهم وقيمهم، وأفعالهم منشؤها إيمانهم بها، أما الصغار فإنهم يكتفون بردات الفعل لأنهم أقل من أن يصنعوا فعلا من عند أنفسهم.

@agrni