قليل دائم خير من كثير منقطع – حجر زاوية التعليم والتعلم

15-04-2018

يتفق الكثير من خبراء التعليم وأساتذته بأن الفجوة بين ما يتعلمه طلبة العلم وبين ما يبقى ويستدام لهم هي ليست فقط في عدم وضوح المعلومة، أو القصور في كفاءة الناقل وحسب، بل يوجد هناك عامل جوهري يكمن في كمية المعلومات وطريقة تكرارها الزمني.

التابعي عمرو بن مسعدة رضي الله عنه، وكما جاء في (وفيات الأعيان لابن خلكان) على لسانه أنه قال: كنت أوقع بين يدي جعفر بن يحيى البرمكي فرفع إليه غلمانه ورقة يستزيدونه في رواتبهم، فرمى بها إليّ، وقال: أجب عنها، فكتبت إليهم «قليل دائم خير من كثير منقطع»، فضرب بيده على ظهري، وقال: أي وزير في جلدك!. دليل آخر على أن خير الأعمال ما قل واتصل قول المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام (أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل)، وذلك فيما يقوم به الإنسان من أعمال الخير.

هنا رواية أنقلها لكم عن زميل فاضل يروي عن شيخه الذي كان يتعلم على يديه اللغة العربية، فعندما اشتكى له مع زملائه قصر مدة الدرس في مقابل طول الوقت الذي يستغرقونه للذهاب والمجيء وصعوبة الطريق لصعودهم الجبال وصولا لمنزل الشيخ، كان رده لهم بقوله «قليل قر خير من كثير فر».

عبارة قصيرة لكنها عميقة المعنى تعكس طريقة ومنهاج الشيخ في دروسه لطلابه. يتكرر في اللغة الإنجليزية مصطلح مشابه في المعنى وحاضر في الثقافة الغربية وهو «Less better than less»، وترجمتها العربية المباشرة هي ما سبقهم بها التابعي عمرو بن مسعدة منذ ما يزيد عن ألف عام في مقولته الشهيرة «قليل دائم خير من كثير منقطع». العجيب أن هذه العبارة حاضرة في الصحة والفكر والرياضة والتعليم والمال والأعمال والاقتصاد وجميع مناحي الحياة.

لقد أدركت أهمية هذا الأمر منذ أن قرأت كتاب طبق ما تعرفه Know Can Do Put Your Know-How into Action، للكاتب Blanchard, Paul J. Meyer & Dick Ruhe، حيث ذكر الكاتب أن هناك أسبابا رئيسية لعدم استطاعة الناس تطبيق ما يتعلمونه بشكل ومستوى جيد ومقبول، حيث لخص أسبابه أولا: في الكمية quantity الكبيرة من المعلومات التي تصلهم، وثانيا: في غياب التكرار repetition المطلوب لما يتعلمونه. والمقصود هنا أن العائد التعليمي والتدريبي سيكون مرتفعا عندما تكون المعارف بكميات قليلة، يصاحبها التكرار المتباعد زمنيا spaced repetition، وهو أسلوب تعلم يتضمن فواصل زمنية متزايدة، ويتم تطبيقه بشكل شائع في السياقات التي يجب أن يحصل فيها المتعلم على عدد كبير من العناصر، ويحتفظ بها إلى أجل غير مسمى في الذاكرة، فيزداد مستوى الإدراك وتترسخ المعرفة.

في الختام أتمنى أن أكون قد وفقت في أن أصلكم بجوهر التعلم ومفتاحه بأن في القليل المتكرر دواما وبقاء، وفي كثرته انقطاعا وفرارا.. وللحديث تكملة.