ترمب وناطور بوتين

14-04-2018

قبل الولوج في قراءة المشهد السوري الكارثي على المستويين الإنساني والسياسي، يجب الاعتراف بغياب الإرادة الدولية لإنهاء هذا الصراع، وإلا، أيعقل أن ينشغل العالم بمقتل 60 من النساء والأطفال بسلاح كيماوي في حين يتسامح العالم مع قتل ما يتجاوز المئات يوميا لتتجاوز حصيلة ذلك النصف مليون إنسان بأسلوب بربري، وتهجير ما يتجاوز 12 مليونا على مدار سبع سنوات؟ حتى التهديد بمعاقبة نظام الأسد وحلفائه على استخدام سلاح كيميائي في دوما أيعقل أن يأتي في شكل قرصة للخدود بدل قرصة موجعة للأذن؟

المشهد الدولي يفتقد اليوم لرجال بوزن جون كنيدي، وماك جورج باندي، ونيكيتا خورتشوف، لإيقاف مسرحية الرقص على حافة الهاوية. فالقيادات الأمريكية المتعاقبة منذ بيل كلينتون إلى حكم ترمب في مواجهة فلاديمير بوتين اتسمت بالمغامرة أو المهادنة الساذجة. وبالعودة إلى تغريدة ترمب الشهيرة بعد هجوم دوما «يا روسيا إن صواريخنا قادمة ووقوفكم مع الحيوان أمر غير مقبول»، هل حققت تلك التغريدة بعضا مما كان مرجوا من الجميع؟ ربما نعم، ولكن لن يكون ذلك كافيا لإنهاء الكارثة الإنسانية القائمة. كذلك هل استطاع التفصيل إقناع الولايات المتحدة وروسيا باستثمار أكبر في القنوات غير المباشرة لتحقيق اختراقات حقيقية يمكن البناء عليها. وقد تكون إحدى نتائجها تسليم الولايات المتحدة ما تبقى من غاز السارين عبر أراضي طرف ثالث.

ما يجب أن يشغلنا الآن ليس الضربة العقابية الرمزية (المتفق عليها)، والتي نفذتها الولايات المتحدة بالاشتراك مع بريطانيا وفرنسا، بل ما تم تنفيذه من اتفاقات أمريكية روسية غير معلنة على هامش التطور الأخير.

وما يؤكد ذلك الغارات التي نفذتها إسرائيل ضد أهداف في قاعدة T-4 قبل أن تستطيع إيران نقل قواتها ومخازنها من تلك القاعدة حسبما تم الاتفاق عليه بين ترمب وبوتين، إلا أنه من الواجب الاستثمار في الفرصة القائمة.

فإحدى أهم نتائج الإنذار الأمريكي توقف الطيران العسكري السوري والروسي عن تنفيذ أي عمليات عسكرية ضد أهداف مدنية، وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في الغوطة، مما يعطي الروس الجغرافيا اللازمة لتأمين دمشق وشبكة طرق المواصلات مع شمال غرب سوريا. وتبقى مناطق الشرق والشمال بالإضافة للجنوب السوري في أيدي قوات حليفة للولايات المتحدة أو المعارضة السورية.

وفي حال توافقت واشنطن وموسكو على تلك الجغرافيا في تنفيذ وقف لإطلاق النار، فإنه أمر يمكن البناء عليه للخروج من الأزمة. وقد يكون أحد الخيارات التوافق على صدور قرار من مجلس الأمن يضع سوريا إداريا لمرحلة انتقالية تحت سلطة دولية بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الروسي، على أن يشمل القرار تفكيك كافة الميليشيات وخروج إيران الفوري غير المشروط من سوريا، واعتماد إدارة ألمانيا الغربية نموذجا لإعادة تأهيلها في فترة انتقالية لا تتجاوز العشر سنوات.

الأزمة السورية أظهرت أقبح وجه للحروب بالوكالة بين القوى الدولية الكبرى، بالإضافة إلى قوى إقليمية طامحة للتوسع مثل إيران وتركيا، إلا أننا الآن أمام مشهد آخر يحفظ الناطور ويأكل فيه الجميع العنب. فتكلفة القبول باستمرار عملية الاستنزاف من الجميع للجميع فشلت في تحقيق معادلة سياسية مقبولة في سوريا. لذلك يجب الآن التوقف ولو ليوم لالتقاط الأنفاس دون بارود، ومن ثم التقرير إما السير في ذلك أو الاستمرار في الحماقة، وإدلب هي العنوان القادم.

aj_jobs@