نحو تعليم منفتح

18-03-2018

د. حسن مدن

قبل عقود من الآن، أذكر أنه كان في الكثير من مدارسنا، الإعدادية والثانوية بخاصة، جماعة خاصة بالمسرح، وثانية خاصة بالموسيقى، وثالثة بالخطابة والإذاعة، وما إليها من جماعات، تحت إشراف أساتذة ومربين ممن حباهم الله الموهبة والمهارات، وينضم إليها التلاميذ ممن يأنسون في أنفسهم الميل إلى هذه الأنشطة، كل حسب ميله أو موهبته، فالشغوفون بالموسيقى ينخرطون في الجماعة المعنية بالموسيقى يتعلمون العزف على الآلات التي يحبون، وعليها يتدربون، وبالمثل فإن من يلمس في نفسه ميلاً نحو الأداء المسرحي يلتحق بجماعة المسرح، وهكذا.
وأتحدث هنا، بشكل ملموس، عن تجربتنا في البحرين، وكثيراً ما كانت هذه الجماعات تنظم أنشطة خاصة بها، يحضرها بقية تلاميذ المدرسة، ومن صفوف هذه الجماعات ظهرت مواهب غدت معروفة في مجال موهبتها على مستوى الوطن كله، وبينهم من واصل تعليمه العالي في الحقل الذي بدأت موهبته فيه تفصح عن نفسها وهو تلميذ يتلقى تدريباته الأولى في الجماعة المدرسية المعنية، حيث التحقوا، بعد أن كبروا، بالمعاهد العليا للموسيقى أو المسرح.. إلخ. ما نرصده اليوم ونسمعه، في مختلف بلداننا، أن الكثير من إدارات المدارس وقد باتت في عهدة معلمين ومعلمات شديدي المحافظة والتزمت لم تعد فقط لا تولي عناية وتشجيعاً لمثل هذه الأنشطة، وإنما باتت تهمشها، لا بل وتحاربها، حيث إن الكثير من مديري ومديرات المدارس يروجون في صفوف التلاميذ والتلميذات فتاوى بأن بعض الأنشطة كالمسرح والموسيقى تندرج في نطاق الحرام.
ورغم أن التعليم الحكومي خاضع لسياسة الحكومات وهي التي تنفق عليه، وأن على إدارات المدارس الامتثال للسياسات التي تتبعها هذه الحكومات، إلا أن الكثير من هذه الإدارات باتت تتصرف كأن المدارس «عزب» خاصة بها، تُحلل فيها ما تشاء، وتُحرم ما تشاء، مستغلة غفلة المسؤولين أو غضهم الطرف عما تفعله هذه الإدارات.
كان من نتيجة ذلك ليس فقط تردي مخرجات التعليم الحكومي في بلداننا، وإنما إشاعة أفكار التزمت والانغلاق والتعصب في صفوف التلاميذ والطلبة، وتخريج طوابير من كارهي كل ما هو جميل في الحياة، المنصرفين عن التفكير العلمي السليم، والفاقدين للذائقة الفنية.
برأي أحد التربويين العرب، هو محمود الجديدي، فإن الانتقال من الفضاء التربوي التقليدي إلى فضاءات أرحب انتقالاً نوعياً ومكانياً يرتقي بالناشئة «من الوصاية إلى التشجيع على المبادرة، ومن التهميش إلى المشاركة، ومن المراقبة الصارمة إلى الحرية المسؤولة، ومن الوعظ والنصح والإرشاد إلى التفاعل والثقة والمشاركة والإبداع».
ليس ذلك فقط، بل إن مثل هذه النقلة في الأداء التربوي يمكن أن تنتقل بالتعليم من مجرد حشو لذهن التلميذ بالمواد النظرية المنفصلة عن الحياة، إلى تدريب على الممارسة الديمقراطية وعلى قيم المواطنة وقبول حق الاختلاف، وأيضاً على التذوق الفني والحس الجمالي.

madanbahrain@gmail.com