باكستان وفضّ الشراكة مع الولايات المتحدة

18-03-2018
محمد خليفة

تسير باكستان بخطى سريعة لفض تحالفها مع الولايات المتحدة، والالتحام بشكل أكبر وراسخ مع الصين ومن خلفها روسيا.
منذ استقلالها كانت باكستان جزءاً من الكومنولث البريطاني، لكن بعد زوال الامبراطورية البريطانية عقب الحرب العالمية الثانية، دخلت الولايات المتحدة على خط العلاقة مع باكستان كوريثة لبريطانيا، ونجحت عام 1958 في إيصال رجلها أيوب خان إلى الحكم عبر انقلاب عسكري، وتعمقت الصلات بينها وبين باكستان، ما أبعد هذه الأخيرة عن الاتحاد السوفييتي السابق، رغم العلاقات التي كانت تجمعهما. وعندما انهزمت باكستان في الحرب أمام شقيقتها الكبرى الهند عام 1965 أدركت أن عليها تغيير تحالفاتها؛ لأن الحليف الأمريكي لم يقدم المساعدة المطلوبة لكسب تلك الحرب التي كانت مصيرية بالنسبة لها، ولذلك اتجهت نحو الصين التي ترتبط معها بحدود مشتركة، كما تشاطرها عداوة الهند.
وبعد حل مشكلات ترسيم الحدود بينهما، وتوقيعهما اتفاقاً خاصاً بإنهاء هذه المشكلات، قامت الصين بتقديم دعم سياسي وعسكري كبير، إضافة إلى مساعدات اقتصادية ضخمة لباكستان، كما تضامنت مع مطالبها المتعلقة بمساندة كفاح شعب كشمير في الحصول على حقه في تقرير المصير، وأصبح الدعم الصيني لباكستان أحد الجوانب الرئيسية لسياسة بكين المتمثلة في تطويق الهند وتقييدها.
ومنذ أواخر الستينات أصبحت الصين مورّداً رئيسياً للأسلحة إلى باكستان، وشمل ذلك المساعدة في بناء عدد من مصانع الأسلحة فيها، وتوفير أنظمة أسلحة كاملة. لكن رغم ذلك، فقد حافظت باكستان على علاقة وطيدة مع الولايات المتحدة، ودخلت الدولتان منذ عام 1978 في مشروع مشترك للكفاح ضد الشيوعية في أفغانستان، ومن ثم تحول هذا التحالف إلى حرب بالوكالة تقودها باكستان ضد الوجود السوفييتي هناك، وقد قدمت الولايات المتحدة لها مبالغ طائلة في إطار تلك الحرب، التي انتهت بهزيمة الاتحاد السوفييتي، وجلاء قواته المتواجدة على أرض أفغانستان، وانهيار جمهورية أفغانستان الديمقراطية تحت وطأة من كان يسمون ب«المجاهدين». لكن سرعان ما ظهرت التوترات في العلاقات الأمريكية الباكستانية، وذلك حول من يقود أفغانستان ما بعد جلاء السوفييت. فقد أرادت باكستان بسط نفوذها إلى أقصى حدٍ ممكن في أفغانستان، اعتقاداً منها أن وجود هذه الدولة الصديقة بجوارها يوفر لها عمقا استراتيجياً في حربها ضد الهند. أما الولايات المتحدة فقد أرادت حكومة أفغانية مستقرة، تكون حائط صد للشيوعية. ووجدت الولايات المتحدة طريقة لمعاقبة باكستان بعد اتهامها بالفشل في التزاماتها في عدم انتشار الأسلحة النووية، وقطعت عنها المعونة العسكرية، وبدأ المسؤولون الأمريكيون يتحدثون عن دعم باكستان للإرهاب.
ورغم ذلك فقد عادت الولايات المتحدة للاعتماد على باكستان في مكافحة الإرهاب، خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر، وقدمت لها المزيد من الأموال، لكن العملية السرية التي نفذتها الاستخبارات الأمريكية، وأدت إلى مقتل أسامة بن لادن في أبوت أباد بالقرب من قاعدة عسكرية للمخابرات الأمريكية، اعتبرتها باكستان انتهاكاً سافراً لسيادة باكستان وهي، عمل من أعمال الحرب. ومنذ ذلك الوقت بدأ الأمريكيون يرون في باكستان حليفاً جاحداً تلقى ما قيمته 40 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية والعسكرية منذ عام 1947، منها 23 مليار دولار لمكافحة الإرهاب في العقد الماضي وحده.
وفي نفس الوقت اتجهت باكستان لفتح صفحة جديدة مع روسيا، واتفقت الدولتان على مشروع كبير لنقل الغاز الطبيعي المسال إلى لاهور. والواقع أن اتجاه باكستان شرقاً، وتعميق تحالفاتها مع الصين وروسيا قد جعلها في محور معادٍ للولايات المتحدة، ما دفع هذه الأخيرة إلى الإعلان عن اعتزامها خفض المساعدات الأمنية. وكان البيت الأبيض قد أعلن، أنه سيعلق مساعدات عسكرية متأخرة قدرها نحو 255 مليون دولار. وانتقد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إسلام آباد في ما وصفه بأنه «أكاذيب وخداع» بشأن إيواء متطرفين. وسارعت باكستان إلى الرد معلنة أنها قدمت الكثير للولايات المتحدة، وساعدتها في «القضاء» على تنظيم «القاعدة»، فيما لم تحصل سوى على «الذم وعدم الثقة»، وذلك في تعليقات غاضبة من وزيري الخارجية والدفاع. ويبدو أن الولايات المتحدة مضطرة للإبقاء على تعاونها مع باكستان من أجل تحقيق النجاح في أفغانستان، فكما لعبت باكستان دوراً خطيراً ضد الوجود السوفييتي هناك في الثمانينات؛ فإنها تستطيع أن تلعب نفس الدور الآن ضد الوجود الأمريكي هناك وبتحريض من روسيا والصين. ولا شك أن هاتين الدولتين تسعيان الآن وبكل قوتهما لإجهاض الحرب الأمريكية ضد الإرهاب في أفغانستان لاستنزاف قوتها، ودفعها في نفس الوقت، إلى الخروج من هذه البقعة الجغرافية المهمة .

med_khalifaa@hotmail.com