الجاهلية المعاصرة

25-02-2018

مهما بلغ هذا العالم من التقدم والتكنولوجيا والصواريخ العابرة للقارات والسماوات فإنه يبقى، وهو يتفرج على قتل النساء والأطفال في الغوطة الشرقية، عالمًا متخلفًا جاهليًا ومنحطًا في أخلاقه ومواقفه السياسية. كل شرعة إنسانية اخترعها هذا العالم في العصر الحديث تسقط أمام أعين البشر جميعًا حين لا تتحرك فيهم شعرة ليمنعوا جرائم النظام السوري بحق الأبرياء العزل ونزع أرواحهم وأحلامهم ومدنهم. ولأن حبل الإجرام، المشرع أو شبه المشرع، على الجرار فلا يظن أحد، أيًا كانت قوته وترساناته، أنه بمعزل عن هذه الجاهلية الجديدة التي استعر أوارها في منطقتنا منذ العام 2011، حين أُطلق عقال ما يسمى الفوضى الخلاقة لتقلب أراضي دول آمنة مستقرة على رؤوس أهلها.

الشر يعم كما في كل أدبيات الإنسان القديم والحديث. وهذا الشر الذي يغمضون أعينهم عنه في سوريا لن يتوقف عند حدود حلب أو الغوطة أو عفرين، بل هو مرشح للانتشار في صورة حروب أو إرهاب، أو في واحدة من صور الانتقام التي يفقد فيها الإنسان عقله ورشده حين يرى أطفاله تصهرهم نيران القذائف العاتية أمام عينيه. في سنوات سابقة لم يكن العالم، بغربه وشرقه، يكتفي، حين تشتد وطأة الظلم، بالتنديد والشجب وإبداء القلق كما يحدث الآن. وهذا يعني أن سياسات الدول تبدلت وحكمتها ضعفت، ويعني، أيضا، أن إنسانيتها تراجعت حتى على مستوى شعوب ما يسمى الدول المتقدمة التي تتفرج مع قادتها على البيوت والمدارس والمستشفيات وهي تسقط على أجساد الضعفاء وقليلي الحيلة.

سوف يندم هذا العالم ويعض أصابع إنسانية ندمًا على صمته على هذا الظلم وهذا الإجرام المتواصل. ومهما بلغت قوته وجبروته فإنه سيدفع الثمن عاجلًا أو آجلًا، إذ ليس بمقدور إنسان عاقل أن يبني أحلامًا وردية لأطفاله في مكان بينما تُشوى أجساد أطفال آخرين في مكان آخر بالحديد والنار. ووقتها، حين يحل هذا الندم، سيكتشف هذا العالم كم كان جاهليًا حين وضع كل شرائعه المتمدنة ووضع حكمته على الرف واكتفى بالتنديد والقلق.