إنسانية تكتوي بنيران التطرف

25-02-2018

التطرف حالة إنسانية سلبية تكشف عن تدهور مريع في الإنسانية وقيمها، ولذلك لا يتعلق بديانة أو مذهب وإنما يمكن أن يصيب في حالته المعدية أي إنسان يفتقد الأساس الفطري السليم في فكره وطريقة رؤيته لواقع الحياة بما فيها من آخرين يختلفون بالضرورة في عقولهم وقلوبهم واتجاهاتهم وميولهم.

البريطاني دارين أوزبورن الذي أدانته المحكمة لتنفيذه عملية دهس مسلمين أمام مسجد شمالي لندن بتهم ارتكاب جريمة قتل متعمد ومحاولة قتل، انتهج كراهية المسلمين بسبب مشاهدته مسلسلًا تلفزيونيًا يحكي قصة استغلال جنسي للأطفال، وهو كان يسعى لقتل أكبر عدد من المصلين بما يتوافق مع فكرته السلبية عن دين هؤلاء الأبرياء.

ذات الأمر ينطبق على مسلم أو هندوسي أو بوذي أو لا ديني انتهج كراهية الآخر لأي أسباب تتعلق بتصرفات عرضية أو منهجية، والشاهد أن الذات المتطرفة والفكر المتطرف تتسبب في كره الآخر وإقصائه في أي زمان ومكان، وعلى ذلك يمكن قياس تفجير كنائس الأقباط في مصر على يد مسلمين، وهي حالة ليست بعيدة عنا لتحقيق انعكاس واضح لهدر الروح الإنسانية والذهاب بها بعيدًا في متاهات الكراهية والتطرف الأعمى.

حالة هذا البريطاني تأكيد على فكرة التطرف السلبية التي تغيب فيها النزعة الإنسانية السليمة التي تتشوه بالأحقاد والكراهية القاتلة، فهناك فكر مسموم وتلويث للفطرة ينتهي إلى إقصاء السلامة العقلية التي تساعد الفرد على التفكير الصحيح أيّا كان دينه أو معتقده، وذلك أمر يتفاوت بحسب مساحة التطرف الكامنة في الفرد الذي يتلقى فكرًا إقصائيًا أو ملوثًا بما يفوق مستويات التوازن النفسي والعقلي.

في كثير من الحالات المماثلة التي نجد فيها سلوكًا يختطف قناعات الآخرين أو يقلل من معتقداتهم أو يتعامل معها بتسطيح وتشويه، يمكن أن نلتمس جرعة من تطرف تقود إلى الكراهية والاستعداء ثم يحدث الانفجار باستهداف الأبرياء في مساجد أو كنائس أو معابد أو مقدسات، ومع هذا الوضع فإننا على ما يبدو أمام حالة عالمية إنسانية تحتاج إلى مراجعات لجذور التطرف تبدأ بالإنسان وضبط أقيسته بالمرجعيات الإنسانية التي تمنحه حب الآخرين وتحترمهم ولا تحاسبهم بوصاية تفوق طاقة البشر، فمن يتجهون إلى ذلك لابد وأن يكونوا مشاريع تطرف أو ينتهوا إلى متطرفين حقيقيين.