دمعة طائر..

25-02-2018
يوسف أبو لوز

تريثت الكاميرا التلفزيونية قليلاً من الوقت وهي تسلّط عدستها على قاعة مجلس الأمن في نيويورك الذي أجّل التصويت على الهدنة الإنسانية في سوريا أكثر من مرة، وكانت فرصة بصرية أن نرى قاعة المجلس خاوية من مندوبي دول العالم ما يتيح أن ترى القاعة جيداً، وإن أمكن هذه الصورة القلمية.
تظهر على الجدار المقابل لك مباشرة في الصورة التلفزيونية لوحة كبيرة للفنان النرويجي بير لاسون كروغ، تحمل الكثير من الرموز: بشر، وطيور، ورجل يحاول ترويض حصان. ويشرح علي بردي من نيويورك تفاصيل أخرى عن هذه اللوحة قائلاً: جرى التوافق على اعتبار هذا العمل الفني «جدارية من أجل السلام» وفيه طائر الفينيق ينهض من الرماد.
أسفل اللوحة رفع المندوب الروسي يده معلناً الفيتو حوالي ست مرات، وفي كل مرة كان طائر الفينيق السوري ينهض من رماده، وفي كل مرة أيضاً لم يفلح أحد في ترويض الحصان، أما البشر التائهون الملوعون في اللوحة فتكاد تسمع صراخهم وعويلهم الآدمي المتداخل في ما يشبه حمام الدم.
بدت مقاعد قاعة مجلس الأمن زرقاء اللون يجلس إليها كالمعتاد مندوبو الدول وبخاصة مندوبو أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، والصين.. وأي واحد من هؤلاء يمكنه أن يواصل حمام الدم لمجرد أن يقول «فيتو» ليسود صمت بارد في القاعة.
أما لماذا المقاعد زرقاء.. فقد يعود ذلك إلى ضرورات التوازن اللوني التشكيلي في القاعة بدءاً من لون الجدران إلى ألوان الطاولات وبدلات أعضاء المجلس وربطات أعناقهم.. غير أن مجلس الأمن ليس قاعة عرض فنية، ولا هو «غاليري» الأرجح أنها سوق.. تحديداً «سوق سياسية» تمسك بها بلا شك دول الفيتو.. سوق تفتح أبوابها من وقت إلى آخر وليس مسموحاً للفقراء بدخول هذه السوق.
لكي تكتمل صورة قاعة مجلس الأمن فقد شكلت المقاعد والطاولات منظراً يشبه حدوة الحصان، ولاحظ مرّة ثانية التفصيلية التشكيلية في اللوحة وهي الرجل الذي يحاول ترويض الحصان.
حدوة الحصان هذه وبشيء من التدوير التشكيلي تتحول إلى علامة استفهام.. بل مجموعة علامات استفهام يبديها البشر المزدحمون في اللوحة، غير أن طائر الفينيق يخرج من اللوحة ويرتفع بجناحيه وقد انقضّ على بعض الأشخاص المجتمعين على حدوة الحصان، ربما لكي يحرر هذا الحيوان النبيل من البراثن الفولاذية الحمراء والزرقاء.
يتمهل الطائر قليلاً، وقبل أن يعود إلى لوحته ينقر رأس مندوب واحد لا غيره، وفجأة تتحول حدوة الحصان إلى دائرة مغلقة تظل تضيق رويداً رويداً إلى أن تتحول إلى نقطة هي دمعة طائر الفينيق السوري.

yabolouz@gmail.com