ما في الخزائن

25-02-2018
د. حسن مدن

صحيح أننا أنفسنا من نضع ملابسنا في خزائننا بغرف نومنا، لكن مع مرور السنوات تمتلئ هذه الخزائن بتلك الملابس وتتراكم بعضها فوق بعض فلا يعود بوسعنا الوصول إليها كلها بسهولة. وفي الأغلب فإننا نرتدي ما نراه ظاهراً منها، أما تلك التي أصبحت تعلوها طبقات من الملابس، فتبقى بعيدة عن أيدينا التي لا تقترب منها، وقد نفاجأ لو قمنا بعملية ترتيب لما في خزائن الملابس أن بعضها لم نلبسه إلا مرات نادرة، وأننا نسينا بالفعل متى اقتنيناها، لا بل نسينا أمر وجودها تماماً.
مختصة يابانية في شؤون الترتيب، معنية بتنظيم علاقة الأفراد بما في بيوتهم من تفاصيل، للتخلص مما اصطلح على تسمته ب«الكراكيب»، تدعونا للقيام بين الحين والآخر بحملات لإعادة ترتيب ما تراكم في الخزائن، لا بغرض التخلص من الفائض منها الذي يشغل حيزاً كبيراً في خزائننا رغم أننا لا نستخدمها فحسب، وإنما أيضاً ل«إعادة الاعتبار» للمنسي منها، التي أهملنا ارتداءها لأنها ببساطة اختفت عن أعيننا وسط أو أسفل ما تراكم في خزائننا، هذا إذا تحدثنا عن الملابس حصراً.
لكن الطريف في هذه الدعوة هو الطريقة التي تقترح علينا هذه المختصة استخدامها لإعادة الترتيب، وهي إخراج كل ما في خزائننا من ملابس، عن بكرة أبيها كما يقال، وفرشها على الأرض، لتبدو كل قطعة ظاهرة أمام أعيننا، ثم فرزها قطعة قطعة، واتخاذ القرار المناسب تجاه كل واحدة منها: هل نبقيها أم نتخلص منها؟ وبعد الفرز نعيد صفها في رفوف الخزينة، مقترحة أن نرتب الملابس التي نحبها أكثر من سواها بصورة أفقية، القطعة تجاور القطعة، لا أن نراكمها عمودياً، كي تظل كل واحدة منها أمام العين وفي متناول اليد.
تبالغ هذه السيدة بعض الشيء حين تطالبنا بأن نظهر كمية من الحنان تجاه ما نحب من ملابس حتى في طريقة لمسنا قماشها، وفي طريقة طينا لها، لكن دعوتها هذه تنبهنا إلى أمر آخر من النادر أن يحظى بما هو أهل له من تأمل، هو أن علاقتنا تجاه ملابسنا تتفاوت بين قطعة وأخرى منها، وتكاد تشبه علاقتنا مع سوانا من البشر، حيث هناك من نكن له عاطفة قوية وربما جيّاشة، وهناك من تكون علاقتنا معه أقرب إلى الحياد، وهناك من قد لا نستلطفه على الإطلاق. وهذا التصنيف للملابس إلى فئات تبعاً لطبيعة مشاعرنا تجاهها، يجب أن ينعكس على ترتيبنا لها في الخزائن.
وكما نُنصح بأن نحرر حياتنا من الأفراد الذين يكونون مصدر إزعاج أو أذى، لنا أن نفهم الدعوة بالتخلص من الملابس التي باتت «كراكيب» في غرفنا، بتحرير الحيز الذي تحتله منها، لعلنا بذلك ندرك أن ما نحسبه مجرد تفاصيل متناهية الصغر في حياتنا هي أمور مكتنزة بالمعنى.

madanbahrain@gmail.com