تجنيس أبناء السعوديات.. ما بعد العاطفة

20-02-2018

كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن منح الجنسية لأبناء السعودية المتزوجة من أجنبي، وانتقل الحديث في هذا الموضوع من المجالس الخاصة إلى الدوائر الرسمية كمجلس الشورى، وأصبح مجرد التساؤل عن الهدف من التجنيس سبباً كافياً لأن يُرمى السائل بتهمة (العنصرية).

ولهذا سأحاول في هذه المقالة أن أكون هادئاً مع يقيني أن تهمة العنصرية ليست شتيمة دائماً، فمن المعلوم أن كثيراً من الدول تضع شروطاً ميسرة جداً لمنح جنسيتها، لكنها بنفس الوقت لأهداف واضحة وتصب في مصلحة تلك الأوطان، فهناك دول بحاجة للأيدي العاملة ولهذا تيسر شروط منح الجنسية، وبعض الدول تقوم بالتجنيس لأغراض ديموغرافية لها أبعاد أمنية وسياسية، بل إن هناك دولاً معروفة تسعى لتجنيس الناس لأغراض اقتصادية، ويصل الأمر أن يكون التجنيس مقابل امتلاك عقار، وهذه كلها أسباب معقولة، لكن أن تكون هنالك مطالبات حادة وذات صوت مرتفع جداً، وعندما تتساءل عن الفائدة التي تعود للوطن من هذا الموضوع لا تجد إلا تهمة العنصرية، أو تجد تبريراً طويلاً من الكلام العاطفي مثل: ضع نفسك مكان هؤلاء، أو إذا كنت لا تحس بشعور أمهاتهم فينبغي أن تتأكد من إنسانيتك.

هذا الكلام العاطفي يكون مقبولاً لو أنه صدر من أشخاص عاديين أو حتى من تيارات نسوية تنظر للموضوع من زاوية جندرية، لكن أن تصبح العاطفة مبرراً مقنعاً يصدر حتى ممن يعتبرون مسؤولين أو مفكرين ومع ذلك تجذبهم ريح العاطفة الهوجاء بعيداً عن سواحل المنطق فذلك أمر غاية في العجب.

والحديث عن هذا النوع من التجنيس ليس حديثاً عن أشخاص لا يملكون جنسية التي هي حق أصيل لأي شخص ولا ينازعه في ذلك الحق أحد، لكن الحديث هنا عن شخص والده يحمل جنسية أخرى، وهو قد يكون كذلك بالفعل، ومع ذلك هناك من يطلب بأن يكون لهذا الشخص ميزة بحيث يختار ما شاء من جنسية والده أو الجنسية السعودية.

وأنا هنا لستُ مع أو ضد أحد، لكنني فقط أتساءل –بعيداً عن العاطفة– عن الفائدة للوطن فيما لو تم فعلاً تغيير نظام الجنسية، وهل نحن فعلاً بحاجة لتجنيس آخرين، وهذه التساؤلات حريٌّ بنا أن نطرحها دوماً عندما يتعلق الأمر بمستقبل وطننا، ونحيّد العاطفة في مثل هذه النقاشات، والأهم أن نبتعد عن المزايدات على الوطنية، وألا يعتقد أحد بأنه يحب الوطن أكثر من الآخرين، ففي النهاية كلنا نعمل للوطن ولمستقبله، وإن اختلفنا –وهذا شيء صحّي ومطلوب- فإننا نختلف لأجله، والخلاف لا يخرجنا جميعاً من الحب ولا من الوطن، وسنبقى نتفق به، ونختلف لأجله، وسيبقى بإذن الله عالياً نفخر به.