الكلمة.. الرصاصة!

20-02-2018

أن تغامر وتكون مثقفاً عربياً، أو بتحديد أكثر كاتباً سياسياً في عالم مضطرب، فأنت كمن فخخ نفسه بحزام ناسف يتوجه لروضة أطفال ليدمرها، أو ناقل لفيروس معد سريع الانتشار، فكل تهم العمالة والتجسس والخيانة مطبوعة على هويتك كمواطن خطر على وطنه، فلا حياد بين ممتهن هذا العمل والسلطة، ولذلك شيدت أكبر مفاصل التاريخ منذ الحلاج وابن المقفع، وإلى آخر من أذيب بالأسيد في سجون كثير من الدول العربية (الثوروية)!!

في منافذ المدن تفتش ثيابك وتقرأ انفعالات وجهك ومعلومات جواز سفرك تجلس منتظراً العبور لساعات، وعندما تنفرج، تسأل العسكري عن الأسباب، فيقول لك «تشابه أسماء» رغم أنه لا يوجد بأسرتك من تتلاقى معه على اسم ليشمل الأب والجد، وجد الجد..

أما في مقهى المدينة العربية فينشق عن الأرض مراقب يرافقك كظلك مدعياً قراءة جريدة ثقبها من الوسط ليرصد ما تقرأ وفنجان قهوتك ومن يجاورك ويحاورك، هل تدفع بالعملة المحلية، أم الدولار الإمبريالي، أو يتطفل عليك آخر يسألك عن نوع بدلتك ومن أي ماركة، تمهيداً لتحقيق عن شهادتك وما تقرأ، وتكتب وهل أنت مع اليسار أو اليمين، وما رأيك بدولته، والعملاء إلى آخر قاموس أسئلة مباحث الدول، ترصد (فواتير) مصروفاتك وبأي الوسائل تدفع (كروت) أميركية أم عملة محلية، وأين صرفتها، من السوق السوداء أم من البنك الذي عليك إثبات ذلك بالسندات، ثم تترك غرفة فندقك مرتبة وتعود لتجد كل شيء مبعثر، وحتى لا تدخل متاهات الأجوبة الجاهزة عليك أن تبقى صامتاً عن كل ما تراه..

بعض الضباط رغم تدقيقه في كل شيء لدولة عربية عليك حتى تخلص وعائلتك من الانتظار الطويل بالشمس دفع الأتاوة غير الرسمية، لأنك عائد من دول النفط الهمجية والثرية، أذكر في مطار دولة عربية، اختفى زميل امتهن الكتابة، وبعد ما يزيد على الساعة بعد تفتيش كل شيء حتى ملابسه الداخلية كان الجواب التباس بالاسم، وهي عادة الدول البوليسية وشرطتها.

في غابات الوحوش العربية، لا يفصل بين خلاف سياسي، وشخص عابر أجبرته ظروف العلاج، أو حضور معارض كتب أو مناسبة غير حكومية فوجودك دليل على اتهامك وبدون إبداء الأسباب، ومن الصعب أن تكون كاتباً تدافع عن حق وطني وسط تعارض بين دولتين أنت أحد أطراف وطنيها.

لا أدري إن كنا محظوظين بتخطي تلك المزالق، وكيف تجاوزنا حالات الرعب من زوار الفجر، ومقاومة التهديدات بدول ترفع شعارات «أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، حرية، اشتراكية وحدة» وكلها إطار لتزييف الوعي لصالح القطيع الأمي والعسكري..

لقد عاش المواطن العربي المغامرات المعقدة، وكان المثقف وقود معارك غير متكافئة، لأن الكلمة دونت في مراكز التحقيقات وكأنها رصاصة موجهة لأمن الدولة حتى لو لم يقتل ذبابة، لكن لائحة الاتهام موجودة ليصادق عليها قاضي التحقيق لينفذ فيك الحكم.