مهنة الحياة والسلام

21-02-2018
شيماء المرزوقي

لعلكم تتفقون معي أنه لا توجد مهنة إنسانية بكل ما تعني الكلمة مثل مهنة الطب، فالطبيب في مجمل عمله مع الإنسان، ويتعامل مع الإنسان في أشد لحظاته ضعفاً وحاجة. فالمريض الذي يتلوى من الألم يضع كل شيء بين يدي هذا الطبيب؛ آماله وأحلامه وطموحاته ومستقبله، كل شيء يتم تعليقه على هذا الطبيب.
ولا أعتقد أن هناك من يجادل في أهمية مهنة الطب وحيويتها، ولا في تداخلها الإنساني الواضح. ولا أعتقد أن هناك من يشكك في جدوى هذه المهنة، التي تعتبر أخلاقياتها من أعلى وأهم المراتب المهنية في أي عمل.
قد يخطئ المكيانيكي فتتوقف الآلة، وقد ينسى مبتكر تشغيل الطاقة فتتعطل إمدادات الطاقة، ولكن الطبيب عندما ينسى، أو عندما يخطئ، فالنتيجة مؤلمة وقاسية جداً.
الطب مهنة الحياة، تستهدف أن تعيش سعيداً دون آلام ودون وجع، ودون هم المرض. مهنة الطب تقودك نحو السلامة والرفاه والعيش بطمأنينة، فلا تقدم ولا حضارة ولا نجاح دون سلامة بدنية وعقلية ونفسية، والطب الناجح يعمل في هذه الحقول؛ بل هناك الطب الوقائي الذي يستهدف المعالجة قبل المرض، وقبل وقوع الوجع.
إذن، جميعنا نتفق على أهمية هذه المهنة للإنسان وللتقدم وللحضارة البشرية برمتها. إذن كيف نفسر رؤية طبيب مهمل.. طبيب يتأخر عن عيادته دون اعتذار أو حتى اتصال، وينتظره عشرات المرضى، وعند حضوره لا يجرؤ أحد عن السؤال عن السبب؟
بالمثل، الأخطاء الطبية التي تقع تكون في العادة نتيجة عدم التركيز، وعدم التقيد بالتسلسل في الإجراءات. وقد يسأل أي واحد من بيننا: لماذا يهمل الطبيب ويتخلى عن الدقة، وهو الذي اختار هذا الطريق ورسم مستقبله وفق مسار الطب؟ هنا ندرك أن المهارة الطبية تبدأ بحب المهنة، ومنح المريض الاهتمام والشعور بأنك طبيب قريب منه ومهتم به، ثم يأتي العلاج.
وعلى الرغم من أن هناك أخطاء نتيجة لعدم الدقة والإهمال، إلا أن الأطباء ليسوا ملائكة، إنهم بشر؛ على الرغم من أن مهنتهم ملائكية.
ولكم أن تعلموا أنه في عام 1789، ابتكر الطبيب الفرنسي جوزف جلوتين، الآلة التي عرفت بالمقصلة، وهي التي يوضع بداخلها رأس الإنسان وتهوي عليه شفرة حادة جداً وتقطعه، واستخدمت في عام 1792، عندما اندلعت الثورة الفرنسية لتصفية كثير من الخصوم.. الطب مهنة الحياة والسلام، وعلى الرغم من هذا، هنا طبيب ابتكر آلة للموت.

Shaima.author@hotmail.com
www.shaimaalmarzooqi.com