جدار الخوف «الإسرائيلي»

21-02-2018
نبيل سالم

لا أحد يستطيع أن ينكر أن المستعمرين «الإسرائيليين» تمكنوا خلال عشرات السنين، التي تلت نكبة فلسطين في عام 1948، من إنشاء جيش قوي، بمساعدة القوى الاستعمارية الغربية، يعد من أقوى الجيوش في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما مع استمرار ماكينات الصناعة الحربية الغربية، ولا سيما الأمريكية بتقديم كل ما هو جديد وفاعل من الأسلحة إلى «إسرائيل» التي تحولت مع مرور الزمن إلى ترسانة عسكرية، تهدد ليس أمن واستقرار العرب، وإنما الشرق الأوسط والعالم كله؛ بسبب السياسة العدوانية، التي ينتهجها قادة «إسرائيل» ضد العرب، وتنكرهم للحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني، والتجاهل المتعمد؛ بتحريض من الغرب لكل القرارات والقوانين الدولية، والمساعي العالمية لحل الصراع العربي «الإسرائيلي» بالطرق السلمية.
لكن هذه القوة الظاهرة، ليست دائماً مؤشر خير ل«إسرائيل»، التي توجد عملياً في محيط معاد لها؛ بسبب سياساتها العنصرية الاستعمارية، واعتداءاتها التي لا تنتهي على العرب بشكل عام، والفلسطينيين خاصة.
ومن يتابع عن كثب تصرفات «الإسرائيليين» في السنوات القليلة الماضية، يستطيع دون كبير عناء، أن يلمس بوضوح الخوف «الإسرائيلي» بالرغم من كل هذه الترسانة الهائلة المدعومة غربياً.
ولعل أبرز ظواهر هذا الخوف الكامن، هي عمليات البناء المستمرة للجدران، التي يظن قادة «إسرائيل»، أنها تستطيع حمايتهم إلى الأبد.
فعلى الرغم من أن «إسرائيل» هي «الدولة» الوحيدة في العالم، التي كانت ترفض رسم حدود ثابتة لها؛ لأسباب تتعلق بأحلام التوسع المستمرة في المنطقة، واستغلال كل الأساطير والخرافات، التي يستعملها المنظرون السياسيون؛ لتبرير أطماعهم في المنطقة، تحت شعارات ويافطات دينية، أو تاريخية مزيفة، إلا أن «إسرائيل» بهذه الجدران العالية، التي تقوم ببنائها، التي تسعى إلى أن تكون السور المحيط بكامل فلسطين المحتلة، يعني عملياً محاولة التمترس في بقعة جغرافية محددة، مترجمين على الأرض نموذج «الجيتو» اليهودي، الذي عرف في أوروبا قبل وإبان ظهور الحركة الصهيونية، أو «قلعة مسادا» التي بنيت في نهاية القرن الأول قبل الميلاد بأمر من هيرودوس الكبير ملك مملكة يهوذا آنذاك، التي احتلت من قبل مجموعة من المتمردين اليهود في عام 70 للميلاد، إبان العهد الروماني، وهذا يعني أنه رغم كل القوة العسكرية «الإسرائيلية»، فإن هاجس الخوف لا يزال هو المسيطر على الذهنية «الإسرائيلية»، التي يدرك أصحابها، بأن «إسرائيل» مهما ملكت من القوة لا يمكنها أن تستمر إلى الأبد في وسط محيط كاره لعنصريتها وعدوانيتها اللامحدودة.
وهكذا نرى أنه بدءاً من جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، مروراً بجدار الفصل العنصري حول غزة، وصولاً إلى الجدار الذي تبنيه «إسرائيل» في الشمال على الحدود مع لبنان، أو ذلك في منطقة الأغوار، ماهو إلا ترجمة لمشاعر الخوف «الإسرائيلية» هذه، لاسيما تطور الصراع العربي «الإسرائيلي»، وبروز معادلات استراتيجية جديدة، تمثلت بظهور أسلحة متطورة من شأنها إسقاط مقولة التفوق «الإسرائيلي» النوعي، كما جرى مؤخراً من خلال إسقاط الصواريخ السورية، لطائرة إف 16 «الإسرائيلية»، التي تمثل درة التاج في القوة الجوية «الإسرائيلية»، والصمود الأسطوري، الذي يواجه فيه الشعب الفلسطيني في غزة اعتداءات جيش الاحتلال، وغيرها من عوامل القوة العربية، التي ظلت «إسرائيل» تحاول تجاهلها على مدى العشرات من السنين الماضية.
وأخيراً، يمكن القول: إن ما تقوم به «إسرائيل» عبر تشييد جدرانها العنصرية، لا يمكن أن يقدم لها الأمن والسلام، وأنها ليست إلا دليلاً حقيقياً على الخوف، وعليه يمكن أن نقول
«إن ما يؤمن السلام ل «الإسرائيليين» ليس الجدران العالية كما يعتقدون، وإنما الاعتراف بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، وتطبيق قرارات الشرعية الدولية، إن كانوا يسعون إلى السلام كما يزعمون»، والتاريخ خير شاهد على أن كل أنظمة الفصل العنصري لا يمكن أن تعيش مهما بلغت من القوة؛ لأنها مخالفة لمنطق العقل وفلسفة التاريخ.

nabil_salem.1954@yahoo.com