الصين.. من «الثورة الثقافية» إلى «الثقة الثقافية»

21-02-2018
عبد الحسين شعبان

بعد أن دمّرت «الثورة الثقافية» (1965-1976) التي أطلقها زعيم الثورة الصينية (1949) ماو تسي تونغ، «الركائز الأربع» القديمة التي تمثل ماضي الصين، عادت السياسة الصينية الجديدة، وخصوصاً في عهد الزعيم زي جين بينغ، لبذل جهود كبيرة واستثنائية على النقيض من توجهات مرحلة الاندفاعات «الثورية»، وذلك في إطار محاولة مدّ الجسور مع الماضي، فقد أخذ العهد الجديد يقدّم نفسه باعتباره «الوريث الشرعي» للثقافة الصينية التقليدية، وذلك حسب تعبير بينغ «إن حضارتنا تطوّرت بشكل مستمر من العصور القديمة إلى المعاصرة»، بل إن الأطفال أخذوا يبدؤون مهرجاناتهم بأغنية وطنية تمجّد «الولاء للوطن» ويصطفون لينحنوا أمام صورة كونفوشيوس، وكأنهم يمارسون صلاتهم في طقس أقرب إلى العبادة والخشوع.
إن محاولة الصين استعادة «توازنها»، تتّجه عكسياً، فمن تدمير المعابد والقصور والتحف الأثرية وملاحقة الأشخاص الذين يمثّلون طريقة العيش والتفكير «البرجوازية»، وتلك تهمة خطرة، إلى الحفاظ على كل ذلك من خلال سياسات وبرامج ترعى التقاليد الثقافية المتوارثة، تلك التي كانت تمثّل الماضي، ونعني بها: «العادات القديمة» و«الثقافة القديمة» و«التقاليد القديمة» و«الأفكار القديمة»، والأمر لا يخلو من رغبة حزبية قديمة - جديدة للحفاظ على الهيمنة الدائمة على الدولة والمجتمع، وإنْ كانت على نحو مختلف عن الماضي.
وغدت الاحتفالات بالأعياد المحلية والوطنية ظاهرة حيوية جديدة، حتى أن «عيد الحب»، وهو بديل عن عيد الأم الذي تعتمده الولايات المتحدة، أصبح عيداً شعبياً، كما أن استخدامات الطب الصيني الذي يقوم على الأعشاب والإبر الصينية أو ما يسمى «بالطب البديل» أصبحت شائعة ليس في الصين وحدها، بل إنها مصدر من مصادر نشر الثقافة الصينية على المستوى العالمي، ويندرج في ذلك برامج ثقافية لاستخدام الشعر الكلاسيكي الصيني في مسابقة يقوم بها الأطفال، إضافة إلى مسابقات بالخط الصيني والحروف الصينية.
ويتوجّه الحزب الشيوعي الصيني، ولاسيّما بعد مؤتمره التاسع المنعقد في 18 تشرين الأول / أكتوبر 2017 للشباب في إطار «مشروع سكب الروح» عبر الكتب المدرسية والبرامج ذات الصلة بالثقافة القديمة، وكذلك القيام برحلات دراسية وتوفير دروس عن الثقافة، إضافة إلى الاهتمام بالفن وإعطائه مسحة صينية، وخير دليل على ذلك موسيقى الجاز الصيني التي عُرضت خلال احتفالات كبيرة في أوبرا بكين الشهيرة.
وتستثمر الاقتصادات الصينية في الثقافة، وهذه الأخيرة في عملية التنمية لحماية الشركات الصينية ولدعمها في مواجهة المنافسة الأجنبية، وكذلك في حق الكتّاب والفنانين على «اكتساب الطاقة من كنوز الثقافة الصينية»، بما يعزّز قيم الصين وثقافتها التاريخية. ويتم توظيف كل ذلك لمنع حصول فراغ روحي، وذلك من خلال تعزيز التراث باعتباره ركيزة للهوّية الوطنية، وخصوصاً باختيار ما هو مناسب وصحيح منه، بما فيه طاعة النظام، وهكذا تتصدّر عبارة كونفوشيوس «استمع إلى والديك في المنزل وإلى معلمك في المدرسة وإلى رئيسك في العمل وإلى الدولة في الشارع، وذلك لكي تكون سعيداً»، ولعلّ تلك المقولة تمثّل رؤية الحزب ومؤتمره الأخير.
ولا يشمل تعزيز القيم القديمة «التسامح مع الدعوات الدينية»، بل إن الحكومة اتخذت إجراءات قاسية ضد البوذيين والمسلمين، ولاسيّما في التيبت، لأن الحزب لا يقبل أي منافسة لأتباع الأديان ولرجال الدين على قيادته للمجتمع وبعثه «روح الأمة»، حتى إن العبادات في المعابد والأديرة أصبحت شحيحة بفرض رسوم على دخولها باعتبارها مرافق سياحية، وقليل منها تقام فيها الطقوس والشعائر الدينية للعبادة. وحسب مجلة «الإيكونوميست»، فقد صدر مرسوم حكومي «الكتاب الأبيض» يقضي بحظر القيام بأنشطة دينية على المسؤولين المتقاعدين.
وإلى جانب تعزيز جسور الثقة الثقافية، داخلياً، فإن الصين في إطار برامج طويلة الأمد، تسعى لتعزيز الثقة دولياً من خلال عدد من الرسائل:
أولها- الثقة في الاختيار والطريق والتجربة الذاتية بخصائصها الوطنية، وذلك بتأكيد أنّ لكل بلد طريقه الخاص للتنمية الذي يتناسب مع واقعه.
ثانيها- الثقة بالاشتراكية ذات الخصائص الصينية والقدرة على التحديث والتنوّع، لتأسيس حضارة جديدة على أساس هذه الثقة.
ثالثها- الثقة بوجود وجه آخر للعولمة، أي مبادئ جديدة أكثر إنصافاً وعدلاً وانفتاحاً.
رابعها- الثقة بالتطور الدولي وبناء نظام جديد للعلاقات الدولية، يقوم على الاحترام المتبادل والعدالة والإنصاف والتعاون والنجاح المشترك، وذلك بالتخلّي عن مفهوم «القوي» و«الضعيف»، وخلق علاقات متوازنة وندّية بين الدول الكبرى والدول الصغرى، لأن مصير العالم مرهون بيد شعوب جميع دول العالم. ويذهب الصينيون للترويج لفكرة مضمونها أن الثقة حين تتحوّل إلى عمل، فإن دافعاً قوياً سيتولّد لبناء مجتمع المصير البشري المشترك لعالم أجمل.

drhussainshaban21@gmail.com