بطلي: فالتر

19-02-2018

كنت طالبة في الكلية حينما قرأت لأول مرة للكاتب والفيلسوف والناقد الأدبي فالتر بنيامين، لقد كان رجلاً من كلمات. وبوصفه ألماني فقد ولد في أوقات عصيبة، في أواخر القرن التاسع عشر، وفي أخطر الأماكن، في برلين.

كان معروفاً في نطاق ضيق طيلة حياته، ولكن شهرته ذاعت بعد وفاته. أتذكر انتظاري للنسخة التركية من كتاب (مشروع الممرات المقنطرة Arcades Project). سافر الكتاب معي إلى كل مكان في حقيبة ظهري، بصفحاته ممزقة الحواف والمنقطة بحروق السجائر وبقع القهوة، وذات مرة خلال حفل موسيقى الروك، بلله المطر، من بين كل الكتب التي قرأتها ذلك العام، الخيالية وغير الخيالية، لم يكن يماثل تمزقه كتاباً آخر، لذلك أحبه كثيرا. كان بنيامين خيميائيا من نوع ما، وكان الأكثر غرابة بين المثقفين الماركسيين، كان الخروف الأسود في كل قطيع. لقد دمج الأدب بالفلسفة، والأسئلة التي أثارها الدين بالإجابات التي قدمتها العلمانية، والمعارضة اليسارية بالتصوف، والمثالية الألمانية بالمادية التاريخية، واليأس بالإبداع، لقد كان خبيراً في غوته وبروست وكافكا وبودلير لكنه كتب أيضاً على نطاق واسع عن الأشياء العادية والصغيرة في الحياة. لم يكن فيلسوفاً ذا برج عاجي. بمثل ما يمكنك القراءة له، يمكنك أيضاً مشاهدته يمشي في الشوارع ويستمع إلى الناس ويدون الملاحظات، ويخطط ويجمع بياناته باستمرار. لا يقرأه المرء ليشعر بشكل أفضل، بل يقرأه ليشعر، في عالمه الأشياء ليست كما تبدو، ثمة حاجة ماسة إلى تجاوز المظاهر الخارجية والتواصل مع الإنسانية. أن تعيش يعني أن تسير على كومة من الأنقاض، مستمعاً إلى إشارات الحياة القادمة من تحت الأنقاض، تشكل الكآبة جزءاً لا يتجزأ من وجوده، ذات مساء، سكر صاحب عدمي وصرخ بصورة بنيامين المعلقة على الجدار قائلاً:"ابتسم سيد فالتر! لست بحاجة إلى حمل العالم على كتفيك، إنك ميت الآن، استرح!". ثم أخرج زجاجة نبيذ وقذفه بها، نظفت آثارها بصابون غسيل الأواني لكن بقعة بقيت على نظارة بنيامين، مما جعله يرى كل شيء من خلال عدسة حمراء. التقدم والحضارة لم يكن ثمة ما هو غير قابل للشك، على الأقل نفسه، كان مترددًا بكل تواضع، هذا الرجل ذو الذكاء الباهر. أعتقد أن بنيامين كان روحًا شديدة الخصوصية ولكن لماذا، في الحياة الفعلية، تحدث مع أولئك؟ بريخت يكن احترامًا عميقًا له ولكن لم يفهم أبدًا ما كان يقوم به في ظلال هؤلاء الصوفيين. وبين عالمين، مترجمًا كلمات أولئك الذين لا يتكلمون اللغة نفسها، وقف بنيامين بمفرده، جميلاً في وحدته. بينما عزز النازيون قوتهم واستبدلت الإنسانية العقل بالجنون والتناغم بالتعصب، كان عليه الفرار من وطنه، هذا الرجل الذي لا يستطيع أن يعيش بعيدًا عن مكتبته. الرحلة عبر أوروبا كانت مملوءة بالمخاطر. في 26 أيلول/سبتمبر 1940، انتحر على الحدود الفرنسية - الإسبانية أثناء انتظاره التأشيرة. فجأة، قرر ألا ينتظر أكثر، وألا يشك أكثر.

صحيفة الغارديان 27 أبريل 2012م.