لا تكن أسيراً لمبادئك الثابتة كـ«غاندي»

19-02-2018

إن كُنت ذا طموح يقودك نحو الهدف يجب أن ترتدي أكثر من معطف؛ لأنك ستُجابه المئات من الوقائع التي يقف خلفها أُناس يعمدون على عدم فهمك رغبةً في تقويض هدفك..

في إطار بحثي حول حقيقة إن كان هناك مبادئ ثابتة في حياة المرء أم لا؟ لأنني أشك في نجاح المرء الذي يسعى لتحقيق هدفه أن تكون له مبادئ ثابتة، وكون المرء لا توجد لديه مبادئ ثابتة هذا أمر رائع لأن ذلك هو ديدن الوصول للهدف بكل نجاح دون آثار تُذكر، وعلى أي حال وأنا في خضم بحثي حول ما يدعم رأيي وجدت مقولة لـ أونوريه بلزاك 1799-1850م «الرجل المتفوق يعانق الوقائع والظروف ليقودها ولو كانت هناك مبادئ وقوانين ثابتة لما غيرتها الأمم كما نغيّر قمصاننا».

لذا أيقنت أنه إن وهبك الرب نعمة العقل وكنت تمتلك مبادئ ثابتة، ستعجز عن مقاومة العيش مع كوكبة المجانين والأغبياء والمُتطفلين، مع أشقائهم المُتطرفين والحمقى والأشقياء. بينما لو كنت تمتلك عقلاً بلا مبادئ ثابتة واعتمدت فقط على الظروف والوقائع، فإنك ستنجح في إدارة أزماتك مع هذه الكوكبة، إذ إنك دون مبادئ ستتقلّد أكثر من دور، وترتدي أكثر من قبعة حسب الظروف وحسب خصمك الذي رمته الأقدار في طريقك عنوة.

وإن كُنت ذا طموح يقودك نحو الهدف يجب أن ترتدي أكثر من معطف؛ لأنك ستُجابه المئات من الوقائع التي يقف خلفها أُناس يعمدون على عدم فهمك رغبةً في تقويض هدفك.

التاريخ مليء بالساسة من نساء ورجال لهم أخطاؤهم، منهم ما لم يُحالفهم الحظ في استمرارية نفوذهم، كطالبة التاريخ التي تلقت تعليمها الابتدائي في المنزل، ثم في التعليم الجامعي درست التاريخ السياسي وعلوم السياسة فيما بعد وأخذت تجوب بعض بلدان أوروبا لتتعلم الاقتصاد بجانب التاريخ والسياسة، وفي آخر سلسلة تعليمها كانت تدرس في أعرق الجامعات «أكسفورد» ولم تكمل حيث عادت لموطنها دون أن تحصل على شهادة؛ بسبب تردي حالتها الصحية آنذاك، فقد كانت تُعاني من مرض كان وقوداً لصقل شخصيتها السياسية ولم يكن يوماً عائقاً، فالشهادة كانت بالنسبة لها «ورقة وحبراً» تحصيل حاصل وإثبات للمؤسسات عندما تتقدم لوظيفة ما، أما عندما تتقدم لسلطة ما لا يتوجّب ذلك؛ بل يتوجّب أن تمتلك حقيبة من القبعات تناورها بذكائها متى ما شاءت، وعموماً بعد وفاة والدها في العام 1964م عينت عضواً في المجلس الأعلى في البرلمان، كما أصبحت وزيرة الإعلام والإذاعة في موطنها، وفي العام 1966م أصبحت رئيسة للوزراء.

كسبت هذه المرأة عدة ألقاب كـ «المرأة الحديدية»، وحصدت شهرة واسعة على مستوى العالم بوصفها سيدة دولة. كانت تمتلك عدة مهارات عُدت «استثنائية» أوصلتها إلى منصب رئيس الوزراء وعدّها بعض المراقبين الدوليين أنها أول امرأة تُنتخب لترأس بلداً ديموقراطياً، وحتى يومنا هذا هي المرأة الوحيدة التي تبوأت ذلك المنصب في موطنها.

وعُرف عنها القساوة السياسية وتفضيلها السلطة المركزية، وخلال مدة ولايتها أصبحت الدولة قوة إقليمية في جنوب آسيا بمختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والعسكرية، كما أنها أجرت عدة تغييرات على الدستور.

بيد أنها اعتمدت على الجيش لحل عدة نزاعات داخلية، وكان اختيارها مبدأ ثابتاً وراسخاً كما تبيّن لي عندما بحثت وقرأت في تاريخها، وكان لـ مبدئها الثابت بالاعتماد على القوة العسكرية تجاه الأحزاب المتمردة والمتطرفة في بلدها، أمرٌ سلبي للغاية أدى في نهاية الأمر لاغتيالها.

إنها «أنديرا غاندي» رئيسة وزراء الهند المرأة السياسية المحنكة التي لعبت أدواراً مختلفة في الشرق الأوسط تحديداً وكانت تمتاز بارتداء القُبعات وفق الظروف الدولية الراهنة إلا أنها لم تفعل الشيء نفسه داخل موطنها، حيث إن نهاية العمليات العسكرية التي كانت تقودها في الداخل فيما يخص عملية «النجم الأزرق» ضد بعض المتطرفين من الهنود السيخ قد انتهت باغتيالها على يدهم.

والجدير بالذكر أن أنديرا خلال مدة ولايتها قامت بتغييرات جذرية في سياسات الهند السياسية والاقتصادية والدولية والقومية ووضعت ثلاثة خطط خمسية للحد من البطالة لاقت اثنتان منها النجاح، وافتتحت المزيد من البنوك مما شجع الشركات الصغيرة والمتوسطة على الاستثمار وإنعاش القطاع الزراعي.

كما قامت بتأميم جميع الثروات الباطنية وشركات التأمين وفرضت قيوداً على الصناعات الخاصة. وأسست شركة النفط الهندية IOC وشركة البترول الهندوستانية HPCL وشركة بترول باهارات BPCL وتم تخصيص قسم احتياطي من النفط للاستخدام العسكري عند الحاجة، كما دعمت الثورة الخضراء في الهند والتي جعلت الهند دولة مكتفية ذاتياً في مجال الغذاء، كما دعمت خلال الحرب الأهلية في باكستان «باكستان الشرقية» مما أدى لتشكل دولة بنغلاديش.

ونستطيع أن نستشف من هذه الإنجازات الاقتصادية والسياسية في تاريخ الهند أن أنديرا أتقنت ما لم يتقنه الكثير من السياسيين، ولعبت مع خصومها الخارجين دون مبادئ ثابتة، جعل منها خصماً يستحق الاحترام حتى أثناء تشييع جُثمانها حضرت الحكومة الباكستانية في المراسم وأعربوا عن أسفهم لذلك، لكن غاب عن ذهن أنديرا أمر في غاية الأهمية وهو ان اكتساب السلطة لعبة اجتماعية داخلية كما هو لعبة سياسية خارجية، ولكي تُتقن فن التعامل مع المجتمع عليك أن تتعامل معهم دون مبادئ ثابتة، لا بأس بقمع المتطرفين لكن اقمعهم بالبارود بلُطف دون إحداث بلبلة وتهويل القمع وتحويله إلى صورة ديكتاتورية محضة؛ لأنك ستخسر شعبيتك وجماهيريتك التي كنت تبنيها لسنوات! لذلك يمكنني أن أنصحك يا صديقي:

إن كُنت ذا هدف، تخلَّ عن المبادئ الثابتة وتعامل مع الظروف والوقائع ذاتها، لأن أشخاص الأمس ليسوا كما هم اليوم، فالبشر إما يتغيّرون أو يموتون ويندثرون، ويولد غيرهم من الأدمغة المُختلفة، لا تتعامل مع الأدمغة على حد سواء!