إصدارات لا تملأ الفراغ

20-02-2018

كثيرة هي تلك الإصدارات التي لا تملأ الفراغ الناتج عن ضعف الإنتاج في المجال الثقافي، وبعض هذه الإصدارات لا يكفيها أنها لا تملأ هذا الفراغ، بل تصل إلى ما هو أبعد من ذلك عندما تسهم في اتساع وتعميق رقعة هذا الفراغ، فهي تقدم نفسها كنماذج لمنتجنا الثقافي، في معارض الكتب والمناسبات الثقافية المختلفة، رغم كونها نماذج سيئة لا تمثل إلا أصحابها، لكنها تؤخذ مع الأسف الشديد على أنها تمثل المستوى الثقافي الذي نعيشه وهي في الواقع عالة عليه.

بعضها يسطح قضايانا الوطنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية، ويقدمها بأسلوب رديء وفج، ولغة ضعيفة، وبعضها يتقوقع في خياراته، وينسى بقية المثقفين المتواجدين على الساحة، بل إن بعض الناشرين أو الداعمين لأي نشاط ثقافي، يقتصرون على خياراتهم الضيقة، وقد غشيت بصيرتهم قبل بصرهم، مما لا يليق بأصالة الفكر وحيادية النقد وشمولية الثقافة، كما أن ذلك يترك لذوي المواهب المتواضعة الظهور على حساب أصحاب المواهب الحقيقية، وأحيانا تتدخل العوامل الأخرى في ظهور أصحاب المواهب المفقودة، ومنها الرغبة الطاغية في الظهور، أو المجاملات الشخصية التي تزين لفاقدي الموهبة أنهم قادرون على أن يأتوا بما لم تستطعه الأوائل، بينما يظل الموهوبون في الظل، ولا يجدون من يأخذ بأيديهم إلى طريق النجاح والانتشار، أو يتيج لإنتاجهم أن يرى النور، كما أن غياب النقد الموضوعي قد ترك الحبل على الغارب لكل من يريد إصدار أي كتاب وإن كان دون المستوى المطلوب، وهو أمر يحتاج إلى وضع معايير دقيقة يلتزم بها الكتاب، لكي تخلو الساحة الثقافية من كل غث لا يمثل إلا صاحبه، مع صعوبة السيطرة التامة على سوق الكتاب في ظل تعدد وسائل النشر، واقتحام النشر الإلكتروني هذا المجال.

وتمثل السرقة أو السطو على مؤلفات الآخرين مشكلة أخرى بالنسبة للمسؤولين في إدارات النشر، خاصة إذا أتت هذه السرقات من أشخاص بعيدين عن مظنة السوء، وإذا بهم يقدمون أسوأ مثل عن الأمانة وشرف الكلمة، والمحافظة على الحقوق، مع أنهم في غنى عن هذه الطريق المعوجة التي لا تعني إلا سوء التصرف، ولا تؤدي إلا إلى سوء العاقبة، ويبدو أن من يكرر هذا الأمر قد استساغ المزيد من الشهرة على حساب غيره، وهي شهرة زائفة لا تلبث أن تزول إذا فاحت روائحها الكريهة بين الناس، وانكشفت أسرارها البغيضة بين القراء، وهو الأمر الذي لا يسيء إلى صاحبه فقط، بل يسيء للحراك الثقافي في بلادنا بصورة عامة، تماماً كما هو الحال بالنسبة للسلع المغشوشة إذا صُدّرت للخارج. وهنا بدلا من أن يكون المنتج الثقافي سفيرا مشرفا لثقافتنا في الخارج، يصبح سفيراً مسيئا إلى حد كبير.

يبقى دور المتلقي الذي عليه أن يحجم عن التعامل مع كل هذه الأنواع مما يسمى المنتج الثقافي، ومن ذلك الضعيف والمتلون بالطائفية والمسروق من جهد الآخرين، ومحاربة من يقفون في هذه الخنادق المكشوفة، ويتحصنون بها، ويمثل ذلك في كشف أوراقهم السوداء، وعدم التعاطي مع إنتاجهم نهائيا.