الوسادة

20-02-2018
يوسف أبو لوز

روافد المكتبة الروائية العربية بالآداب الأجنبية، أي المنقولة إلى العربية في ستينات وسبعينات القرن العشرين على سبيل المثال كانت الروايات الروسية والقصص الصينية عبر دارين كبيرتين للنشر.. دار التقدم في موسكو، ودار نشر أخرى في شنجهاي، ووراء ذلك اعتبارات سياسية يعرفها جيداً من قرأ ذلك الأدب الاشتراكي المسيّس، فقد كان الاتحاد السوفييتي آنذاك لا يحشد سياسياً وأيديولوجياً في المنطقة العربية فقط؛ بل، ويحشد أيضاً ثقافياً، وتحديداً من خلال الرواية والشعر.
في مراحل تالية عرفت المكتبة العربية الرواية اليابانية والفرنسية والإنجليزية، وربما كانت رواية أمريكا اللاتينية أي الترجمة عن الإسبانية هي آخر أو أحدث المشاريع الترجمانية إلى العربية التي عرّفتنا بسحر هذه الرواية و«رائحتها».. من رائحة الموز إلى رائحة القرنفل والقرفة والكاكاو.. أضف إلى ذلك تلك الظلال العربية المواربة والمتوارية تحت السطور لبعض شخصيات الرواية اللاتينية، وقد يعود ذلك إلى المهاجرين العرب في أوائل القرن العشرين إلى دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، وأغلبهم مهاجرون لبنانيون.. بعضهم بنى ثروات اقتصادية.. وثقافية أيضاً في مكان كان بكراً، وربما بكريته الثقافية والميثولوجية مازالت قائمة إلى اليوم.
أكتب لك كل ذلك تعليقاً أولياً على الحوار الصغير ولكن العميق الذي أجرته «لويزا بوليدو» مع الروائي الكولومبي «هيكتور أباد فاشيو لنسي» الذي يعترف بأخلاق عالية بأن كتّاب أمريكا اللاتينية مقصرون في ترجمة الأدب العربي، غير أن اللافت في هذا الحوار هو أن الرجل زار مصر للمرة الأولى في حياته في العام 2000، وكانت حصيلة تلك الزيارة أن وضع كتاباً بعنوان «المشرق يبدأ من القاهرة» من المتوقع أن نقرأه مترجماً إلى العربية قريباً.
من انطباعات «فاشيو لنسي» في زيارته إلى القاهرة قوله «..عشت دائماً في البلدان المسيحية وزرت الكثير منها ولذا، كانت التجربة الأولى التي واجهتها عبر زيارتي إلى بلد مسلم مثل مصر هي الوجود الكثيف للدين»، ويقول إن زيارته لمصر تزامنت مع حلول شهر رمضان، وهكذا حاول محاكاة الواقع فتوقف، وهو المسيحي، عن تناول الطعام والشراب خلال ساعات النهار.
بعد خمسة عشر عاماً على زيارة «فاشيو لنسي» لمصر زارها مرة ثانية وتمكن من رؤية كيف أن الخوف والتهديد من حفنة من الإرهابيين قد عصفت بصناعة السياحة في مصر.
ليس «فاشيو لنسي» ألمع كتّاب كولومبيا، ولكن رواياته تتميز بالعمق والجمال كما تقول «لويزا بوليدو» في أحد أسئلتها إليه وهي تحاوره.. ثم تسأله:.. ما هي الكلمة المفضلة لديك في اللغة الإسبانية، فيجيبها إنها كلمة ذات أصل عربي، «المخدة».. وتعني الوسادة كما قال.
أصول اللغات الإسبانية، والفارسية، وحتى الصينية والإنجليزية والفرنسية، وربما الروسية هي أصول عربية عندما كان العالم، ذات يوم، ينام على وسادة ليست خالية..

yabolouz@gmail.com