ما يخفى عن الأخلاق

20-02-2018
عبد اللطيف الزبيدي

هل علينا إعادة النظر في الأخلاق؟ القصة جذورها مليارية السنين، تعود إلى نشأة الصراع في العالم البيولوجي. المشكلة سوء فهم ناتج عن حصر القضية في الآدميين.
لغتنا رائعة في الحذر العلمي الذي يدس النسبية في المعاني، لتصبح الكلمة الواحدة مثل المفتاح الذي يصلح لأبواب شتى. مفردة «أخلاق» محايدة تعني الطبائع، وقد طبقت العربية هذا المبدأ على الجبلة والشيمة. الاستعمال هو الذي يرجح الطيب على الخبيث أو العكس بمرور الزمن، لكن المعنى اللغوي، لا الاصطلاحي، هو الأصل. ليس تبرئة للإنسان من الآثام الرجوع بالكذب والاحتيال والاختلاس وما إليها، إلى أصول سبقت وجود الإنسان بأكثر من مئات ملايين السنين، ولكن من القصور الفكري بحثها في نطاق أخلاقي بشري فقط. لماذا؟
عندما نتأمل السلوكيات الفردية، الاجتماعية، السياسية والاستراتيجية، ندرك سطحية النظر إليها بمعزل عما يجري في عالم الحشرات والزواحف والبحريات والطيور والثدييات: التمويه، الخدعة، السرقة، نصب الكمائن، استغلال الضعيف... فهي أمور مشفرة في أقدم أشكال الحمض النووي على الأرض. أليس من الحماقة البحث عن معالجة تطبيقات هذه البرمجة البيولوجية، بتراث الأخلاق من نصائح شعراً ونثراً؟ ما الفرق بين أساليب المكر في عالم الحيوان، وبين المخططات القائمة على الأحابيل والافتراءات التي مارسها الإنسان ويمارسها في أدنى مستوى التعامل وأقصى أحجام القوة المتغولة؟
ثمة مكسب قديم وأمل كبير بعيد ولكنه مقبول عقلياً وعلمياً. الأول هو أن فجر الضمير بسم في آفاق البشرية منذ آلاف السنين، ظهرت الأخلاق والقيم، ونمت في تربتها بذور القوانين، وجاءت الأديان الوضعية والسماوية، بقدرتها على الانتشار الواسع، الذي عزز الضبط والربط بالترغيب في الثواب، والترهيب من العقاب.بعد مسيرةٍ بشريةٍ طويلةٍ، قام بنيان القانون كتطور عملي تطبيقي له أدوات حاسمة من محاكم وشرطة وأجهزة رقابة وحراسة. صارت أوامر الأخلاق قوانين ودساتير وبرلمانات تراقب وتطالب بالشفافية إلخ. لكن الدول هي نفسها خاضعة لا محالة للبرمجة البيولوجية المليارية السنين، لهذا نرى العالم غاباً قانونه قانون الغاب. هنا تأتي البشرى الكبرى البعيدة. مأساة سلوكيات الإنسان قضية بيولوجية، ولا حل لها إلا إذا تطورت علوم الوراثة والعلوم العصبية، وأمكن التدخل في أداء الخلايا العصبية، ومعالجة المورثات بتعديل الجينات المسؤولة عن السلوكيات الحيوانية، يتطلب ذلك تقدماً علمياً آخر يُسعد البشرية بعدالة الحصول على الطاقة التي هي غذاء كل كائن حي.
لزوم ما يلزم: النتيجة الصوفية: العرفاء لم يكونوا يحلمون عبثاً بالإنسان الكامل. نبوءة علمية.

abuzzabaed@gmail.com