الإدارة.. نجاح.. إنجاز

19-02-2018

يمكن تعريف الإدارة بأنها مجموع التنظيمات والإجراءات والممارسات المرتبطة بإنجاز عمل ما أو تحقيق هدف معين وفق الموارد المتوفرة، وينطبق ذلك على جميع الأعمال بكافة أحجامها بما يشمل المنشآت التي ينتسب إليها الآلاف من العاملين وكذلك الأعمال الفردية.

وتهدف الإدارة «الناجحة» إلى تحقيق الأهداف وفق الموارد المتاحة وبكفاءة عالية من حيث التكلفة «وقت، جهد، مال.. إلخ». ترتكز الإدارة الناجحة على مجموعة من المقومات الأساسية منها: وضوح الهدف، الإيمان الراسخ بأهمية العمل، الالتزام والدقة في أداء المهام، الإتقان، الشفافية والوضوح، التواصل الفعال، العدالة، الإصرار والمثابرة على تحقيق الهدف وتطويع أي معوقات، المحافظة على الروح المعنوية العالية.

وتتميز بعض مجالات العمل مثل صناعات الطيران، والفضاء، والتنقيب عن النفط، وإنتاج الطاقة النووية بأنها تتطلب دقة وإتقانا ومثابرة بمستويات أعلى من غيرها. لذلك نجد مقومات الإدارة الناجحة بارزة في تلك المجالات على تنوع وتعدد المشاريع وتفاوتها، فلو لم يكن الإصرار لما حلقت طائرة، غير الطائرة الورقية، ولما وصل رائد الفضاء إلى القمر، ولو لم يكن الإتقان لتكرر كثيرا حدوث كوارث مثل حادثتي مفاعل تشيرنوبيل ومكوك تشالينجر.

إن مهمة إطلاق مكوك فضائي بها من الإصرار والإيمان بروعة المهمة وأهميتها ما يشحذ همم أفراد فريق العمل بشكل مستمر ويحفزهم لمواجهة العقبات المتتالية، ولا سيما ذلك الفريق الذي عمل على إطلاق أول مركبة فضائية في تاريخ البشرية، ولنا أن نتخيل كمية التحفيز التي كان يعمل بها ذلك الفريق لتحقيق حلم الإنسان. كما أن مهام العمل في مشاريع الفضاء بها من الإتقان والدقة الشيء الكثير، حيث إن أي قصور في أي جزء من منظومة العمل له آثار غير محمودة، بل وقد تكون كارثية، ولو على مستوى جزء مصنوع من المطاط في جسم المكوك الفضائي «حادثة المكوك تشالينجر».

وعلى غرار الارتباط الوثيق بين إنجاز الأهداف والإدارة الناجحة الذي يبرز في بعض الصناعات أكثر من غيرها، يبرز أيضا تميز بعض بيئات العمل عن غيرها بسبب تجذر مقومات الإدارة الناجحة فيها، فعلى سبيل المثال عرف تميز المنتجات الألمانية واليابانية بسبب تجذر ممارسات الدقة والإتقان في جزئيات العمل المختلفة.

وفيما يتعلق بالمشاريع الحساسة والمشاريع العملاقة، فإن توفر الإصرار والمثابرة والإتقان ضروري لدى كل من يسهم، ولو بجزء بسيط من العمل. وبينما قد لا يتمكن بعض أفراد الفريق من الوصول إلى مرحلة إتمام إنجاز العمل أو الوصول إلى الهدف، لغياب طبيعي أو قسري، إلا أن ذلك لا يقلل من إسهام ومشاركة أولئك في رحلة الإنجاز. لذلك، يجب على كل فرد أن يؤدي دوره وينجز العمل المطلوب منه بالشكل الأمثل وليس عليه أن ينتظر تحقق النتيجة، بل إنه يجب ألا يشعر بالمرارة إن لم ير نتيجة عمله أمام عينه. فإذا أدى الفرد، ضمن منظومة العمل، المهمة المكلف بها بالشكل الأمثل، فإنه يستحق التقدير على عمله بصرف النظر عن تحقق النتيجة من عدمه.

إن تعاليم ديننا الحنيف تندب إلى العمل الإيجابي حتى في آخر لحظات الحياة الدنيا، فيجب على المؤمن أن يمضي في إنجاز العمل الذي هم به حتى لو كانت النتيجة، في الغالب، محسومة بعدم الإثمار، «إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة، فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها»، حيث إن المكافأة والجزاء هي على الجهد المبذول وليس، بالضرورة، على النتيجة. ويجدر بالفرد التركيز على أداء المهمة المكلف بها دون الالتفات إلى قصور الغير في أداء مهامهم «عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم».

ويحسن بنا دوما الاستنارة بالهدي النبوي الشريف في تحقيق المنجزات الأعظم في تاريخ البشرية لتحقيق الهدف الأسمى من خلق البشر في الهداية إلى الدين الحق والطريق القويم للسير في هذه الحياة الدنيا «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». فعلى الرغم من حرص الهادي البشير صلى الله عليه وسلم على هداية الناس أجمعين وبذله في ذلك كل السبل، فقد أخبر المولى عز وجل بأن حصول النتيجة، والتي هي الهداية، ليست مسؤوليته عليه الصلاة والسلام «إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء». هذا هو الحال في أشرف وأسمى المهام والأعمال في حياة البشر، وهي الهداية إلى الدين الحق، فالمطلوب من رسول الله صلى الله عليه وسلم بذل الجهد في التبليغ وليس عليه تحقيق النتيجة، وقد ثابر عليه الصلاة والسلام بإصرار على أداء المهمة التي كلفه بها المولى عز وجل رغم كل المعوقات «يا عم، والله لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله، أو أهلك فيه، ما تركته.. الحديث».

ومن جانب آخر، فإن الشورى في الهدي النبوي هي في الحقيقة أروع أنماط التواصل والشفافية لأنها تضمن إطلاع المعنيين على تفاصيل اتخاذ القرار وحيثيات تبني توجهات معينة دون غيرها، مما ينتج عنه تحقيق مستوى أفضل من العمل المؤسسي ويقلل التأثر بالفردية، اللهم صل على معلم الناس الخير.

يأتي حديثنا اليوم، عن الإدارة والنجاح والإنجاز، في الوقت الذي تمر فيه بلادنا الغالية بمرحلة تاريخية من التطور على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي والتعليمي.. إلخ، ويتنامى يوما بعد يوم دور المملكة بقيادتنا الرشيدة، على المستوى الدولي، بل إن المملكة غدت تلعب دورا رئيسا أكثر من أي وقت مضى في تعريف نمط الحياة المثلى للمستقبل «مدينة نيوم، مشروع البحر الأحمر، مدينة القدية.. 2030». كل ذلك يتطلب من أبناء الوطن الحرص على النجاح في إدارة أعمالنا بالتفوق والتميز لمواكبة الرؤية الواعدة لوطننا وتبوؤ المكانة الأعلى التي يستحقها أغلى الأوطان، وتعريف مستويات متجددة من الإنجاز.

mtsimsim@