من يقدر على اتخاذ هذا القرار غير أمير الإنسانية؟ بقايا خيال

19-02-2018

يوسف عبدالكريم الزنكوي

كم من مواطن شريف وجد نفسه فجأة يمر بظروف مالية قاسية لا يقدر على توفير لقمة يوم لنفسه ولأسرته، فيجبر على الاقترض من هنا وهناك، حتى لو كان في الاقتراض تأجيل للمشكلة، ثم فجأة أخرى يجد هذا المواطن نفسه عاجزاً عن السداد، فيصدر حكم عليه بالسجن، وهو قبل هذه الظروف كان ميسور الحال معززا مكرما بين أهله وعشيرته؟ وكم من وافد تغرب بعيدا عن بلده وبعيدا عن أسرته وفلذة أكباده وأحبائه، من أجل أن يوفر لكل هؤلاء الحد الأدنى من العيش الرغيد، فإذا به يفاجأ بتراكم الديون عليه وتكاثر الأعباء المالية على كاهله، فيعجز عن الوفاء بالتزاماته المادية، فينفذ حكماً عليه بالسجن لسنوات، لتتعقد حياته وحياة عائلته ويتهدد مستقبل أبنائه، وكان قبل هذه الظروف شريفا عفيفا غني النفس؟ وكما من شخص أصدر شيكات بحسن نية لصالح دائنيه على أمل أن يكفله رصيده البنكي وما سيستلمه من دفعات مالية قريبا مقابل أعمال أنجزها لآخرين، ثم تتأخر هذه الدفعات لأي سبب من الأسباب ولا تقبل هذه الشيكات في البنك بسبب نقص في الرصيد، فيصدر حكم عليه بالسجن لسنوات طويلة، وهم الذين كانوا يصولون ويجولون في سوق الأعمال التجارية بكل أمانة وصدق؟
كم واحد بيننا، سواء كان مواطنا أو وافدا أو حتى سجين شيكات بدون رصيد، يعرف الرقم الحقيقي لعدد المساجين الذين زج بهم في ظلمات السجون بسبب عدم قدرتهم على مواجهة إلتزاماتهم المالية تجاه آخرين؟ وكم واحد من هؤلاء المساجين كان يمكن أن يساهم معنا في دفع عجلة التنمية إلى الأمام، لولا الظروف المالية القاسية التي واجهوها فاجأة ومن دون مقدمات؟ بكل ثقة أستطيع أن أقول لا أحد منا يقدر على تزويدنا بالرقم الحقيقي، لأننا قد نصادف أحدهم أو أن يخبرنا صديق عن واحد فقط منهم لا أكثر.
في شهر مارس من العام 2012 كتبت مقالة بعنوان «عندما يهوي كبرياء الكويتي فيتلقفه السيكي» عن صديق من طائفة السيخ أنقذ كويتيا من الزج به في السجن بسبب 232 دينارا. فقد منع هذا الكويتي من السفر وألقي القبض عليه، واقتيد إلى إحدى إدارات وزارة الداخلية حيث قابله هذا السيكي بالصدفة ليضع أمام الكويتي ذاك المبلغ بالكامل، وغادر المكان حفاظا على كرامة الكويتي، الذي لم يجد أحدا من أهله يوفر له هذا المبلغ الزهيد سوى السيكي.
أنا شخصيا عرفت هذه القصة من صديقي السيكي فقط، ولولاه لما عرفت أن من الممكن أن يزج بأناس شرفاء بالسجن بسبب مبالغ تافهة، وبسبب أنهم لم يجدوا من يسندهم في ظروفهم المادية القاسية. كما أن هذه الحالة التي كتبت عنها هي حالة واحدة فقط من بين المئات – إن لم تكن بالآلاف – من الحالات المزرية والبائسة والمثيرة للشفقة، فالرقم الإجمالي الحقيقي قد يصل إلى حد الكارثة لأسر كثيرة وكثيرة جدا، ولا أحد يستطيع أن يشير إلى الرقم الحقيقي إلا المطلعون على خفايا الأمور، مثل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وعلى رأسها رئيس السلطات صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه، الذي اتخذ كعادته قرارا إنسانيا لينتشل الكثيرين من الشرفاء من بؤس الظروف ومن شقاء المكان، ولينقلهم إلى أحضان الوطن حيث دفء الأسرة وسعادة أحبتهم.
فبمبادرة غير مسبوقة من لدن سموه أمر بتسديد ديون الغارمين المحبوسين من المواطنين والمقيمين على ذمة ديونهم، على نفقته الخاصة، ليجمع شمل مئات الأسر الكويتية والوافدة مع معيليهم وأحبتهم، وليشاركوا بقية أفراد الشعب الكويتي أفراحهم بالذكرى السابعة والخمسين للعيد الوطني والذكرى السابعة والعشرين لعيد التحرير. فكم حاكم قاده تفكيره الإنساني إلى مثل هذه البادرة التي تفيض بالإنسانية الحقة؟ وكم من قائد حكم بالعدل والإنصاف ليسعد مئات الأسر في هذه الأيام السعيدة؟ فحمدا لله على كل حال.

إعلامي كويتي