النقد والشتيمة

19-02-2018

عندي قناعة شخصية أن أي انتقاد يحمل في طياته أي قدر من الشتيمة أو الازدراء للطرف الآخر محل النقد شخصًا كان أو جهة، فإنه سيكون نقدًا غرضيًا مهما بدا موضوعيًا ومتماسكًا ومنطقيًا. لا يلجأ لشتيمة الآخرين أو الانتقاص من آرائهم وأدائهم أو أعمالهم، أو ازدرائهم إلا قليل الحيلة، وفاقد الحجة، ضعيف البرهان، مما يدفعه لترقيع موقفه المتهافت بالشتائم والسباب، ومحاولة لفت الأنظار عن علة النقد إلى جوانب أخرى في شخصية المنقود لمداراة غياب البرهان. وتأسيسًا على هذه القناعة التي لا أدّعي عصمتها عن الخطأ، ولا أفرضها على الآخرين، لأنني أزعم أنها نتيجة استنتاجات شخصية لمتابعتي لما يعتقد أصحابه أنه نقد يستهدف تصويب حالة أو موقف، أو رفع ضيم أو غبن، أو نحو ذلك، بينما هو في واقع الأمر لا يعدو كونه ضربًا من الشتائم التي تستهدف الأشخاص لأمور وليس لأمر واحد وحسب في نفس يعقوب، وحتى أكون أكثر وضوحًا فسأضرب مثلا بأحد الاقتصاديين الذين اشتهروا بالدفاع عما يُسمى بالفاتورة المجمعة، وبصرف النظر عن موقفي الشخصي منها، لأني أتناول قضية نقد الرجل للمعترضين على مشروع الفاتورة، بعيدا عن موقفي منها سواء مع أو ضد فهو شأن آخر ليس هذا هو مجاله.

فقد رفع الرجل في سياق ما يعتقد أنه نقد لمن وصفهم بالمتسترين مستوى شتيمته لتلك الأصوات ولمعارضتهم ليتناول هيئاتهم وشكل أبدانهم، في حين أنني فشلتُ في العثور على موقع هذه الشتائم من الإعراب في إطار الجدل حول مدى تأثير أو عدم تأثير هذه الفاتورة على المؤسسات الوسطى والصغيرة، وانعكاس ذلك على اقتصاد الأسواق، أنا شخصيًا لا أفرق بين الرأي الذي يقوله رجل له كرش ناتئة أمامه، أو آخر أنحل من عود السواك، ولا موقف امرأة مسرفة في المكياج أو أخرى بلا ماكياج، الأمر يتصل بمبررات كل واحد منهم على حدة، ومدى قوة حجته بعيدًا عن جنسه وشكله وهيئته ولونه.

هذا مجرد مثال فقط لإعلامي علم متخصص، كان الأولى أن يصرف انتقاده للرأي لا لهيئة صاحب الرأي، والقياس على هذه الحالة للأسف أكثر من الهمّ على القلب، لأن أكثرنا لا يزال يصر على الخلط ما بين النقد والشتيمة.