هيكلة سوق العمل وثقافة العمل الحر

18-02-2018

هيكلة سوق العمل التي تعمل عليها وزارة العمل والتنمية الاجتماعية، حسب ما ذكره نائب وزير العمل، والتي تهدف لإدخال المواطنين للسوق كأصحاب أعمال وليس موظفين، تعتبر تحولا جديدا في حراك الوزارة لمعالجة تشوهات واختلالات سوق العمل من سياسة تركز على التوطين والتوظيف دون سواهما إلى صنع رجال وأصحاب أعمال جدد بالتوازي مع التوطين والتوظيف.

من وجهة نظر إدارية واقتصادية بحتة يمكن القول إن هذه الهيكلة تعد تحولا إيجابيا في فهم وزارة العمل لواقع السوق بعد فشل تجاربها السابقة في نظام نطاقات، وما تلاه من برامج عطلت إصلاح سوق العمل أكثر مما ينبغي.

هذه الهيكلة وفق ما أعلن عنه، يفترض أن تسهم في رفع تنافسية المواطن بسوق العمل بعد كسرها سيطرة لوبي العمالة الوافدة على بعض أوجه النشاط الاقتصادي، حتى أصبح هذا النشاط أو ذاك حكرا على جنسية معينة دون غيرها، وهو أمر يدركه الجميع بمن فيهم مسؤولو وزارة العمل نفسها، إضافة إلى أنها ستسهم في القضاء على التستر التجاري الذي أضعف جاذبية الأعمال التجارية، وقلص فرص الربح لكثرة المحلات، وتسبب في عزوف الكثيرين عن الاشتغال في التجارة لعدم جدواها اقتصاديا.

المأمول من هذه الهيكلة أن تعيد بوصلة سوق العمل إلى مسارها الصحيح، وأن توفر للمواطن فرص عمل واستثمارا كصاحب عمل لا باحث عن عمل فقط . النقطة الأهم ذات الصلة بالموضوع، أن لدينا مشكلة مع «ثقافة العمل الحر»، وهناك إقبال من قبل المواطنين على الوظيفة العامة أو العمل في القطاع الخاص، لأن العمل الحر من وجهة نظرهم مغامرة أو مخاطرة غير مأمونة العواقب،هذه الثقافة تأصلت إبان سيطرة العمالة الوافدة على أوجه النشاط الاقتصادي، وتكريسهم للمنافسة غير الشريفة التي تقوم على محاولة إقصاء السعودي من هذا النشاط أو ذلك بالتضييق عليه أو تخفيض الأسعار وغيرهما من ممارسات تضطره للخروج من السوق.

هذا الفكر الذي يميل للوظيفة العامة لا يمكن أن يتغير بين ليلة وضحاها، وسيكون الميل لها بشكل عام هو الأكثر حضورا ما لم يكن هناك تأهيل ونشر لثقافة «العمل الحر» و»وريادة الأعمال» في مراحل مبكرة للتعليم العام لبناء ثقافة تعزز فكرة العمل الحر والمستقل، وتسهم في غرس فكر ريادة الأعمال في أذهان الطلاب من الصغر، وتنمي لديهم روح المبادرة والابتكار، وتحولهم من موظفين طامحين للعمل في القطاع الحكومي أو الخاص إلى أشخاص مبتكرين ومبدعين، يؤسسون مشاريع خاصة، ويديرونها بأنفسهم، ولا سيما أن هناك توجها حكوميا لدعم مثل هذه المشاريع وتبنيها من خلال «صندوق الصناديق» الذي تم تأسيسه برأسمال قدره 4 مليارات ريال لتحفيز الاستثمارات المتعلقة برأس المال الجريء والملكية الخاصة، وسيمهد الطريق أمام المشاريع الصغيرة والمتوسطة ومشاريع ريادة الأعمال لتجاوز صعوبات التمويل.

ويبقي السؤال، هل ستنجح وزارة العمل في هيكلة سوق العمل ونشر ثقافة العمل الحر- وهذا ما أتمناه - أم ستبقى مجرد تصريحات وأمنيات يتوارثها مسؤولو الوزارة ونعود إلى نقطة الصفر في حلول البطالة وتشوهات سوق العمل؟

mohdalofi@