نسأل الله الثبات!

18-02-2018

منذ فترة تراودني فكرة «الإفتاء»، وأجد أن لدي الموهبة والاستعداد الفطري لكي أكون مفتيا للحيارى والباحثين عن الحقيقة والتبصر في أمور دينهم ودنياهم.

وقد كان شائعا أن المفتي لا بد أن يكون عالما ملما بعلوم اللغة والتفسير والفقه، عارفا بكل أقوال من سبقوه قادرا على الاجتهاد والاستنباط والإقناع. وهذه أشياء جعلتني أتردد في الأمر، أقدم رجلا وأؤخر أخرى، أتحمس أحيانا ثم أحبط؛ لأني غير قادر على الإلمام بكل هذه العلوم والمعارف؛ لأني مشغول بعلوم أخرى كما تعلمون.

لكن الأمور تيسرت أخيرا، وفتح الله علي ووجدت أن الأمر لا يستحق كل هذا العناء. الفكرة الرئيسية من كل ما أعمله وأفكر فيه هو البحث عن الشهرة والقبول لدى الناس، ووجدت ـ بعد كثير من التمحيص والتدقيق ـ أن المفتين أنواع ومدارس، ولكي أكون مفتيا مشهورا ومحبوبا لدى شريحة عريضة من الناس فإنه ليس أمامي إلا مدرستان لا ثالث لهما، إما أن أكون من المدرسة التي تحرم كل شيء، أو من المدرسة التي تبيح كل شيء، والشواهد على هذين الصنفين موجودة ومشاهدة، ويلقى كل منهما قبولا لدى شريحة كبيرة من الناس الباحثين عن الفتوى.

وقد اخترت طريق التحريم لأن الشريحة التي تؤيده أعرض وأكبر، ليس علي سوى أن أطرق للسائل ثم أجيبه بإيجاز بعد أن ينتهي: لا يجوز بارك الله فيك.

وقد وجدت أن كثيرا من الخلق لا يريد الاستفتاء باحثا عن الحقيقة، ولكنه يريد أن يسمع الكلام الذي هو مقتنع به قبل أن يسأل، وإن سمع كلاما مخالفا لما يريد فإن من أفتاه جاهل غر أحمق يجب ألا ينبري للفتوى، وإن كان الكلام كما يحب فإن المفتي عالم جليل.

وفي هذه الأيام ومع «الانفتاح» فإن من يرى رأيا يسير في هذا الاتجاه فإنه سيتهم بأنه باع دينه بدنياه، وأنه عميل محتمل «لهيئة الترفيه»، حتى ولو أفتى به من قبله أمم من العلماء والفقهاء.

وأنا لا ألوم الناس كثيرا لأن فكرة ارتباط التدين بالتشدد، وأن الأكثر دينا هو الأكثر تشددا، فكرة تم غرسها في أذهان الناس لعقود طوال، ومن الصعب أن تقنع شخصا بتغيير الفكرة التي لا يعرف غيرها، ولم يكن مسموحا له أصلا أن يفكر في غيرها، أو أن يظن أن هنالك غيرها من الأساس.

أظن أن البعض ـ وهذه مبالغة هدفها توضيح فكرة واضحة ــ لو ركب آلة للزمن وعادت به إلى عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، ثم سئل عن رأيه بعد أن يعود لقال إن الصحابة «عليهم ملاحظات» لأنهم لا يسيرون على نهج السلف الصالح، ويخالفون بعض أقوال العلماء المعتبرين.

هذه الفئة من البشر ـ وهم كثر ـ يعتبرون كل رأي مختلف زيغا وضلالا، وكل اجتهاد بيعا للدين بالدنيا. افتراض حسن النية في أدبياتهم جريمة وغفلة، يرددون دائما: نسأل الله الثبات، عند سماعهم رأيا مختلفا لأنهم مقتنعون يقينا أن مكانهم الذي يقفون فيه هو النقطة التي يقف عليها الكون.

وعلى أي حال..

سأدشن طريقي في الإفتاء وأقول لكل من لم يعجبه كلامي، أو من يشتمني بسبب رأيي، أو يتهمني بما ليس في: لا يجوز بارك الله فيك.

@agrni