هل تفهمون ماذا يعني استقرارالعراق للكويت؟

18-02-2018

حسن علي كرم*

هناك من البسطاء والسذج والجهلة وقصيري النظر والخبثاء الذين يقتنصون كل مناسبة ليقلبوها مكسباً لهم، وهناك اخرون يستغلونها للطم وضرب الخناجر وشق الجيوب، هؤلاء وهؤلاء وأولئك وغيرهم هنا في الكويت أو هناك في العراق ساءهم ان يشاهدوا التظاهرة العالمية على أرض الكويت، في تجمع قلما نجحت دول، تفوق الكويت مساحة وسكاناً وتتفوق عليها قوة وثراءً واقتصاداً، على تنظيمه، الا أن الكويت نجحت، مثلما نجحت بسوابق مماثلة في تجميع العالم حول قضايا، إنسانية وامنية وسياسية وخلافية ايضاً.
الكويت شهدت أرضها في غضون السنوات القليلة الماضية ملتقيات عالميةعدة تعددت مناسباتها واختلفت تواقيتها، لكن بقي العنوان واحداً وهو لقاء الكويت، ثلاثة لقاءات تمت هنا وكان عنوانها مؤتمر المانحين للاجئين السوريين، واللقاء الرابع تم في لندن، لكن بالحضور الكويتي، ومؤتمر اعادة اعمار العراق الاخير ليس الا امتداد للقاءات العالمية السابق ذكرها، ولعل لقاءات منتظرة مقبلة لاعمار سورية واليمن وليبيا وقد تمتد اللقاءات لتشمل مناسبات ودول بحاجة للإعمار بعد الخراب والهباب.
المناهضون لمؤتمر اعادة اعمار العراق هنا في الكويت او هناك في العراق لم يكن أمامهم غير ذرف الدموع الكاذبة، فالغيرة شقت صدورهم من دون ان يسمعونا او يقنعوا جماهيرهم انهم يستندون الى أسباب وجيهة وقاطعة تعارض مؤتمر الكويت وجمع الأموال لإعادة أعمار ما تهدم من مدن العراق جراء الاٍرهاب “الداعشي” الأسود.
فان تعتمل في نفوس قلة من الناس هنا في الكويت او هناك في العراق احقاد الماضي فذاك يعني ان هؤلاء عاجزين عن تخطي مكانهم، وبدلاً من ان يعترفوا بعجزهم ويطالبوا الأصحاء بمساعدتهم لتجاوز مكانهم، يطالبون الأصحاء الوقوف معهم، اي ان يقفوا في صف المعارضة، وهو ما لا يمكن ان يحدث، لامر بسيط وهو ان الزمن لا يعود الى الوراء، لكنه يتقدم الى الامام، والمتخلفون عن الزمن لن يجدوا لهم مكاناً وسيبقون من مخلفات الماضي.
ان التاريخ عبر وحكم ودروس وتأس والوقوف على التاريخ بلا عبر ولا دروس ولا حكمة، فذلك يعني ان هذا الانسان خارج من السياق الحضاري، لا يرى ما يدور حوله، ولا يعترف بمنطق التطور، ولا بحركه الزمن.
نعم نحتاج ان نستقي من التاريخ العبر والحكم، لكن لا نريد ان نتصلب في مكاننا كالأصنام والأحجار، فالإنسان حضاري بفطرته، يرفض الجمود والوقوف على الاطلال، وهذا ما فضل به رب العباد ان أكرم الانسان بالعقل لذلك كان خطابه جل شانه لذوي العقول و الالباب.
رغم كل ذلك ينبغي ان نعذر لهؤلاء الشكاكين في نوايا العراق حيال الكويت، وان التاريخ العراقي جامد لا يتحرك من مكانه، وان هناك من العراقيين من يتوارثون مقولة “الكويت النا” أباً عن جد، وانهم يتحينون الفرصة الموائمة كي يقتنصوها مجدداً، هؤلاء لا شك معذورون، فالمثل يقول”اللي عضته حية يخاف من جرة الحبل”، لكن على العراقيين ان يدركوا بعد كل المحاولات البائسة واليائسة والفاشلة لبلع الكويت، ان الكويت لم تكن لقمة سهلة الهضم، وان على عقلاء العراق وحكمائه، وما أكثرهم، ان يصححوا التاريخ ويزيلوا الأفكار العفنة المعشعشة في عقول تلك القلة الجاهلة والحاقدة والمغفلة والمضللة.
يقول السياسي،المفكر العراقي حسن العلوي، انه فتش في التاريخ فلم يجد ما يدل على ان الكويت تابعة للعراق، هذا شهادة من رجل باحث ومثقف عراقي أصيل عرف الحق فاتبعه، ونرجو ان يعرف الاخرون الحق ويتبعوه، فلا هناك اجل من الحق أن يُتبع، وان لا يحشوا عقول البسطاء بالأساطير وتواريخ مزيفة.
ليس أمامنا، هنا في الكويت وهناك في العراق، الا ان نتفق على ان امن واستقرار العراق من امن واستقرار الكويت، وان امن واستقرار الكويت من أمن وأستقرار العراق، وان قوة العراق قوة إضافية للكويت، ولعل قول سمو الامير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، اثناء مؤتمر أعمار العراق الاخير:” استقرار العراق الذي يعد جزءا لا يتجزأ من امن وأستقرار دولة الكويت”، هو القول الذي ينبغي ان نلتقي عليه جميعاً، نحن هنا في الكويت نريد عراقاً أمناً مستقراً، فانتعاش الكويت يتحقق اذا استقر العراق، وهكذا تكون الحال في العراق أيضاً.
لعل من الحكمة الا يلتفت المسؤولون في كلا البلدين الى الأصوات النشاز الجاهلة، مروجي الأضاليل ومأججي الفتن، والبكاؤين والراقصين ومهوسي الشوارع والساحات، فهؤلاء لا شك مفلسون يروّجون بضاعة منتهية الصلاحية.
أن من الاسى ان يستغل سياسيون عراقيون، او أشباه سياسيين وهواة، قضية الكويت تذكرة الدخول الى البرلمان، فكلما ارتفع عويلهم وسعارهم على الكويت، ارتفعت اسهم النجاح، وهؤلاء جهلة في التاريخ والجغرافيا وعلاقات الجيرة والعلاقات الدولية، ومن الحكمة الا نلتفت الى جعجعة هؤلاء المفلسين.
ان الديمقراطية العراقية وليدة، لكن ضمان بقائها هو الضمانة لاستقرار العراق وضمانة لأمن الكويت، لذلك علينا ان نساند هذه التجربة الوليدة كي تنمو حتى يصلب عودها.
ان العالم لن يعود للوراء، فلقد ولت الانطمة الديكتاتورية وحكم الفرد. ان المنطقة، وبخاصة الكويت والعراق لا مناص امامهما غير التعايش والاعتراف بالواقع، فالعالم الحديث تحكمه الجغرافيا لا التاريخ.
جملة الاعتراضات على عقد المؤتمر التي قرأناها او سمعناها هنا على لسان كويتيين او هناك في العراق على لسان عراقيين، انصبت على تفشي الفساد وضياع الأموال، وهناك من أخذ على الحكومة الكويتية تقتيرها على المواطن وكرمها الحاتمي الملياري على الخارج، لكن هؤلاء يتناسون او يتجاهلون عمداً ان تاريخ الكويت بني على الخير ومد يد المساعدة والعون، وان ذلك طبيعة متأصلة تأسست في نفوس الكويتيين منذ تأسيسها ، والكويت اذا تبنت عقد الموتمر على ارضها، فهي لم تتعهد وحدها بضخ الأموال وأعمار العراق، او انها تنازلت عن أموال التعويضات المتبقية على العراق جراء الغزو وفقاً للقرارات الصادرة عن مجلس الامن، فبعض الدول فاقت مساهمتها في صندوق الإعمار تعهدات الكويت.
ان من العبث خلط الأوراق، وتحميل فشل الادارة الحكومية او الفساد او الغلاء للمؤتمر، فهو ككل المؤتمرات السابقة التي أُقيمت على ارض الكويت عززت مكانة الكويت على خريطة العالمية، وهي الخريطة التي لا يحتلها الا المتميزون.

• صحافي كويتي
hasanalikaram@gmail.com