أسلوب إدارة أزمة في حكومتين بقايا خيال

17-02-2018

يوسف عبدالكريم الزنكوي

من يقرأ ويسمع عن الأوضاع السياسية الداخلية في الكويت، وأسلوب بعض الجهات الرسمية في تناول موضوع العمالة الفلبينية، سينتهي بالحكم أن القضية معقدة وتحتاج إلى خبراء ومستشارين أجانب لوضع الحلول لها.
وسيظن هذا المراقب عن بعد والمخدوع بأسلوب التحركات الرسمية عندنا أن ما يشاع عن ضياع حقوق الإنسان هي حقيقية، وأن ما يقال عن عدم تطبيق القوانين هو واقع لا مبالغة فيه. ولو امعن هذا المراقب عن بعد النظر في تفاصيل هذه القضية التي عقدها الكويتيون، لوجدوا أنها برمتها “ما تستاهل”، لأن ما نحتاجه هو تطبيق القانون، ولا شيء غير تطبيق القانون على الجميع لا أكثر ولا أقل.
ولو دخل هذا المراقب عن بعد في عمق الواقع الكويتي المرير لاكتشف أن كل مسألة عقدها الكويتيون لابد أن المسؤول الكويتي المعني بالحل، مر على سكة الكيل بمكيالين، وسار في سكة اللف والدوران، وتبختر على سكة “وين إذنك ياجحا”، لماذا؟ لأن المسألة فيها متنفذ من أولها، ومتنفذ آخر في منتصفها، ومتنفذ ثالث في آخرها، وكل منهم يريد الحل “على كيفه” وعلى كيف مصالحه وليس “على كيف القانون”. ولهذا ضاعت حقوق الدولة بالمليارات في كثير من المسائل وضاع المال العام كما في مسألة “الداو”، وغيرها من المشاريع الحيوية وبخاصة الإنشائية منها والتي اضطرت الحكومة بعدها إلى تحويل الإشراف عليها إلى الديوان الأميري، لكي “تريح الحكومة راسها” من الإنجاز، بغض النظر عن نجاح الديوان الأميري في إدارة المشاريع المحالة إليها بكفاءة.
وبالنسبة الى موضوع العمالة الفلبينية فهي من أبسط المشكلات التي يمكن أن تمر على الكويت، بل يجب أن يطلق عليه صفة “سوء فهم” ولا يستحق أن يطلق عليه وصف “الأزمة” أصلا. كما أن حكومتنا “الرشيدة” تستطيع أن ترفع قضايا على الحكومة الفلبينية لأن الرئيس الفلبيني وبإسلوبه غير القانوني شجع رعاياه على مخالفة عقود عمل سارية المفعول كانوا قد وقعوها مع أطراف كويتية لم تبخس حقوق هذه العمالة، وبالتالي أساءت الحكومة الفلبينية الى سمعة بلد بأكمله، وهي الكويت وسمعة شعبها، بدلا من أن تسمي الأطراف المعنية بهدر حقوق العمالة الفلبينية.
الغريب في الموضوع الفلبيني أن حكومة دولة الكويت تعرف حق المعرفة أن لدى الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي نفسه تاريخ يفيض بمسائل هدر حقوق الإنسان في بلاده، خصوصا ما يتعلق بالمرأة الفلبينية، ومنها عندما أصدر أوامره لجنوده “بإطلاق النار على مؤخرات المتظاهرات المتمردات والاعضاء الجنسية الحساسة”، لأنه وفق تعبيره “إنه من دون هذا تكون المرأة عديمة الجدوى”. ولهذا ثارت ثائرة منظمات حقوق الإنسان عليه حتى يومنا هذا، ولهذا السبب كانت محاولته البائسة واليائسة في الدفاع عن المرأة الفلبينية من خلال لفت الأنظار إلى مشكلات المرأة الفلبينية العاملة في الخارج للتخفيف من حدة الهجوم عليه.
ورغم كل هذا فإن جزءا كبيرا من المسؤولية تجاه موضوع العمالة الفلبينية يقع على الحكومة الكويتية التي لم ترد على المغالطات الفلبينية حفاظا على سمعة الكويت وشعبها، ولم تكشف الحقائق للعامة. وأهم من هذا لإبراز عجز كثير من المسؤولين عندنا في كيفية إدارة مشكلة لم تكن لتصل إلى مستوى الأزمة لولا سوء إدارتها أولا، ولعدم تطبيق القانون بحذافيره ثانيا.
وإذا كان يقال إن أحد أساليب التعرف على الأذكياء هو من خلال تصرفهم أثناء الأزمات، فإن يجب الإقرار بأننا نحن من أوصل مشكلة العمالة الفلينية إلى مستوى الأزمة، ونحن من عجز عن حلها حتى هذه اللحظة، مما اضطر العاجزون – أو المتظاهرون بالعجز – إلى إحالة موضوع العمالة إلى لجنة الشؤون الخارجية البرلمانية لدراسته.
لاحظ كيف تصرف المسؤولون الإيرانيون مع “أزمة” نشبت مع كوريا الجنوبية في الفترة نفسها التي نشبت فيها “مشكلة” العمالة الفلبينية في الكويت. عندما امتنعت شركة “سامسونغ” الكورية الجنوبية عن توزيع هواتفها الذكية على الوفدين الرياضيين الإيراني (4 رياضيين) والكوري الشمالي بحجة الحظر الاقتصادي الدولي عليهما، بينما وزعت هذه الهواتف بالمجان على الآخرين من الرياضيين المشاركين في هذا الأولمبياد.
لهذا استدعت الخارحية الإيرانية السفير الكوري الجنوبي وطلبت منه تقديم اعتذار رسمي للوفد الإيراني لأن سلوك الشركة الكورية يتنافى مع الروح الرياضية والخلق الإنساني الرفيع، حتى لا تضطر الحكومة الإيرانية إلى اتخاذ أي إجراء ضد هذه الشركة وضد مصالحها التجارية الضخمة في إيران، ولا أريد أن أسطر قائمة من تصريحات مسؤولين إيرانيين دفاعا عن كرامة أربعة رياضيين، وليس كرامة دولة بأكملها كالكويت، حكومتها وشعبها.
وما أن نشرت وسائل الإعلام التصريحات الرسمية للمسؤولين الإيرانيين حتى أعلنت شركة “سامسونغ” في كوريا الجنوبية اعتذارها مدعية أن هناك خطأ غير مقصود قد حدث، ثم قدمت هواتف ذكية مجانية إلى الوفد الرياضي الإيراني وحتى الوفد الرياضي لكوريا الشمالية.
لاحظ كيف أن دولة استطاعت أن تنهي “أزمة” مع دولة صناعية كبرى حاولت تطبيق قرارات الحظر الدولية لا أكثر، بينما الكويت ومنذ ثلاثة أسابيع لا تقدر على حل “مشكلة” أثارها رئيس دولة هو نفسه أساء إلى نساء بلده الفلبين، ويسيء لسمعة الكويت متهما إياها بالإساءة إلى العمالة الفلبينية من النساء.
***
“شصاير فينا؟:
من رئيس القسم لى حَد الوزير
نادر اللي له نوايا صالحه
ناقة الديره اتركوها في الهجير
وعقْب حَلْب الديد… قالوا “مالحه”!
أصغر مْوظف… إلى أكبر مدير
منهو ما خلّاها “عِزْبه” لصالحه؟
“كالحه” هذي الليالي يا عشير
واقرا في القاموس معنى “الكالحه”!
في أوضح من الشاعر “وضاح؟”

اعلامي كويتي