غسان الشهابي - اللحاق بما يمكن اللحاق به

31-10-2016

ذرائع

بينما كنت عائداً مساء أتهادى بسيارتي بالسرعة القانونية المثبتة على جانبي الشارع، وإذا بسيارة “جيب” تمرّ بجانبي بسرعة عالية جداً حتى اختل قليلاً توازن سيارتي، وما هي إلا لحظات وإلا بدراجات نارية تتخطاني بسرعة عالية أيضاً ذات اليمين وذات الشمال بأصواتها العالية، فدعوت الله لهم بالهداية والسلامة، فهم لا يعلمون مقدار الألم والقلق الذي يشعر به الآباء لحين عودتهم من هذه الطلعات المتأخرة.
عند إشارة المرور التالية، سدّت الدراجات الطريق على الجيب المسرع، ترجّل الركاب الأربعة أو الخمسة ربما، أحدهم أدخل يده من نافذة الجيب وبدأ الضرب، وسحب ما وصلت إليه يده من غترة وعقال، ما وصلني من كلمات من بين السباب أن سائق الجيب كاد يقتل أحد راكبي الدراجات لفرط سرعته.
في الحال، وأنا مشدوه أتابع ما يجري على بعد سيارتين ربما، مرّت أمامي قصص العنف الذي بات يدبّ في شوارعنا، وأعتقد أنه يتزايد عاماً بعد عام، إذا لم تخطّئن أرقام رسمية موثوقة، ذلك أن الروايات التي تترى من كل حدب وصوب، ومن قبل شهود عاينوا الحوادث بأنفسهم، وليس نقلاً عن آخرين؛ آخذة في التزايد، وأسباب عنف الشوارع آخذة في “التتافه”، فمن نظرة متنمرة بين سائقين في إشارة مرورية، إلى “حنحنة” السيارة بقصد التحدي، أو الدخول الخاطئ إلى المسارات، إلى الإشارات غير اللائقة، والقائمة تطول وتتفرع، ولكنها تشي بأن هناك مشكلة تتراكم أسبابها وتتعقد، بل تتفاقم أيضاً، ولابد من وأدها في مهدها قبل أن تصبح سلوكاً عاماً.
فالمسألة لم تعد تنفيساً عن ضغط في الحياة، فيأتي على هيأة صراخ أو كلمات مستقبحة، وحسب، بل الأمر صار بمدّ الأيدي، والذهاب إلى تواصي السائقين الشباب خصوصاً بإبقاء ماسورة أو جسم صلب تحت المقعد للضرورة، وذهب البعض إلى عدم الاكتفاء بهذا، بل التسلح بسلاح أبيض.
دراسات علمية عربية وعالمية متنوعة تشير إلى أسباب تتمثل في اليأس والقنوط، وانسداد الأفق أمام الناس، والتدهور الاقتصادي، وحالة من الاستنفار العام بالشعور بالعدوانية من الآخرين، والاكتظاظ، وضعف العقوبات، أو ضعف تنفيذ القانون.
كل المجتمعات تحتاج إلى المراقبة اللصيقة من قبل ذوي الاختصاص لمعرفة ما الذي يجري، لتشريح الأسباب ووضع الحلول والعلاجات، فلم تعد مجتمعات اليوم كما هي بالأمس بطيئة التغير، إذ صارت المدخلات على المجتمعات عامة قادرة على إحداث تغيرات ما كانت في الحسبان، فلننظر إلى المجتمعات الأوروبية التي بات عليها أمر معرفة المتغيرات التي تحدثها موجات الهجرة الجديدة، والثقافات الداخلة عليها من كل جهة، وما الذي يمكن أن تتأثر به المجتمعات في هذا الإطار، وهو أيضاً ما علينا في البحرين أن نجنّد من أجله الفرق العلمية البحثية لكي تدلّنا على الطريق الذي يلجم هذه الظواهر السلبية قبل الندم.