التبذير

01-01-1970

ابن الديرة
تطرف الأفراد والأسر ومؤسسات المجتمع في الاستهلاك يكلف الدولة مليارات الدراهم سنوياً، تُنفق على توفير احتياجات الناس المعيشية، ويتولى الإنفاق الاستهلاكي الترفي والخاطئ والمغالى فيه، مهمة استنزاف هذه الاحتياجات عبر الاستخدام الجائر الذي لا يعطي اعتباراً للكم، فيحتفظ بأضعاف ما يحتاج فعلياً وتكون النتيجة خسارة مواد استهلاكية تم استيراد معظمها بالعملات الصعبة، ومن خلال التكديس والتخزين الخاطئ فيتلف جزء كبير منها، لنكون كمن يلقي بأمواله في المحيط متعمداً إلى غير رجعة.
والخاسر الأكبر هنا ليس الفرد وحده ولا المؤسسة أو الأسرة، لكنه المجتمع بأسره والدولة في قمته الهرمية، ولكن لا أحد يشعر بالفاجعة نتيجة لهذه الخسائر، لأنها قد تكون غير رقمية ومحسوسة مباشرة بالنسبة للمستهلك، وضمن الفاقد المجبرة عليه بالنسبة للدولة.
لنأخذ مسألة الإسراف في استهلاك الكهرباء والماء على مستوى الفرد والأسرة والمؤسسة، على سبيل المثال لا الحصر، فالدولة تنتج الطاقة الكهربائية من خلال محطات تحلية المياه، ومولدات الطاقة الكهربائية العملاقة والمتوسطة، وتوصل التيار إلى المستهلك بسعر رمزي لا يشكل شيئاً من التكلفة الفعلية للإنتاج، كما الماء يصل إلى المستهلك بجزء من التكلفة الإجمالية، ولكن ماذا يفعل كثير من المستهلكين؟ إسراف جائر بلا داع، لأنه لا يدفع التكلفة الفعلية لأغلى سلعتين في حياته: الماء والكهرباء.
الدولة تنفق المليارات لتوفير الاحتياجات الأساسية لأفراد المجتمع، وبعض المستهلكين لا يعطون قيمة للرخيص حتى لو كانت استخداماته عالية الأهمية وكثيرة الفائدة، فيتطرفون في الاستهلاك إلى أقصى الحدود المتاحة لديهم، فكل أجهزة التكييف تعمل، والمركزية منها شديدة البرودة، وكل مكان مزدان بمصابيح الإنارة الضرورية وغير المطلوبة سيان، والماء يستهلكونه بغير حساب وفي معظم الأماكن إلا الضرورية للإنسان مع الأسف.
نشتري ملابس غالية ولا نلبسها حتى تصبح غير مناسبة لمقاسات أجسامنا فنركنها في شنط أو خزانات النسيان، أو نتصرف بتوزيعها والتخلص منها أحياناً، والناتج هو خسائر واستنزاف بلا طعم ولا لون.
نخزن من السلعة الغذائية عشرات ومئات العبوات بزيادة ضخمة عن الحاجة الفعلية للاستهلاك، إلى أن تتلف وينتهي مفعول بعضها، وتفقد خواصها الأساسية لتصبح غير صالحة للاستهلاك الآدمي، ويكون مآلها صناديق المخلفات، وكأنها أموال نقدية ندفنها تحت التراب.
نحن مبذرون في استهلاكنا، وهذا السلوك السلبي لا يؤذينا وحدنا، بمعنى أن أضراره لا تقتصر على الفرد وحده، ولكنها تطال الدولة وتؤثر في مجالات إنفاقها، وخطط التنمية المستدامة لمواجهة الاحتياجات المعيشية المتزايدة، والارتقاء والتطوير والأحدث باعتبارها هدف كل خطة حكومية على مستوى جميع الوزارات والهيئات.
هذا التبذير يجب أن يتحول إلى قناعة باستهلاك الضروري فقط، وعدم المبالغة والمغالاة، وإلى نهج وطني يقوم على أساسه سلوك الفرد: مع الوطن أم ضد مصالحه، حتى لو كان من غير وعي وإدراك بأن السلوك التطرفي غير وطني ومعاد لمصالح الوطن.
يجب أن نكون على يقين ونعلم أبناءنا أن التطرف الاستهلاكي ليس في مصلحة الوطن.

ebn-aldeera@alkhaleej.ae