الإرهاب ليس قدراً

01-01-1970
فيصل جلول

هل يمكن أن تتصدى أوروبا بنجاح للموجة الإرهابية الجديدة؟ أم أن الإرهاب سيضربها إلى أجل غير مسمى؟ الجواب عن هذا السؤال ليس سهلاً، خصوصاً أن القارّة العجوز، تعيش حالة حرب حقيقية. بيد أن القياس على تجارب سابقة، يفيد بأن القضاء على الإرهاب متاح اليوم، كما في الأمس، إذا ما اعتمدت الوسائل والمقاربات نفسها.
نبدأ بالموجة الإرهابية التي اندلعت في التسعينات من القرن الماضي، على هامش الحرب الأهلية في الجزائر، وأدت إلى تفجير العبوات الناسفة في محطة للقطار، وفي بعض الأماكن العامة في باريس، من طرف شبكة خالد خلخال المرتبطة بـ «الجماعة المسلحة» في الجزائر، وقد تمكن في حينه، أربعة شبان جزائريين من حي اكاليبتوس، في ضواحي العاصمة الجزائرية، من اختطاف طائرة فرنسية والوصول بها إلى مارسيليا، قبل أن تتمكن وحدة مكافحة الإرهاب من اقتحام الطائرة وتصفيتهم. وقد تسبب هذا الحادث بهلع كبير في فرنسا، يشبه تماماً ما رأيناه في باريس وبروكسل خلال الشهور والأيام الماضية.
معلوم أن تلك الموجة من العمليات الإرهابية، قد انتهت تماماً مع نهاية الحرب الجزائرية، ليتبين من بعد أن الإرهاب كان مرتبطاً بالحرب، وان العمليات الإرهابية نفسها، كانت رداً على السياسة الفرنسية إزاء الجزائر، وبالتالي ما كانت عمليات عشوائية طيارة ينفذها هواة. معروف أيضاً أن فرنسا تمكنت من حصر الشبكة، التي كانت تنفذ التفجيرات وقتلت قائدها خالد خلخال وبمقتله طويت صفحة الإرهاب الذي ضرب فرنسا بموازاة الحرب الأهلية الجزائرية.
ولو عدنا أكثر قليلاً إلى ثمانينات القرن الماضي، أيضاً، سنلاحظ أن موجة مماثلة ضربت العاصمة الفرنسية، بل ربما كانت أشد خطراً منها، لأن رئيس الخلية لم يقع في الأسر إلا بعد فترة طويلة من انصرام الموجة الإرهابية، التي تضمنت هجمات بالقنابل والعبوات الناسفة في الأماكن العامة، ووسائل النقل المشترك، وبخاصة في مخازن «تاتي» الشعبية في شارع رين بالقرب من حي مونبارناس الشهير. وقد اعتقدت الشرطة لوقت طويل، أن قائد هذه الموجة هو جورج إبراهيم عبدالله اليساري اللبناني الذي مازال مسجوناً بسبب اغتيال الملحق العسكري الأمريكي في باريس، وأن أعضاءها جاؤوا من سوريا ولبنان وفلسطين، وأنهم من الماركسيين أو العلمانيين، ليكتشف الرأي العام من بعد، أن قائد الحملة من أصول تونسية، وأن أعضاءها من شمال إفريقيا، وما بات معروفاً أيضاً هو أن هذه الحملة تمت على هامش الحرب العراقية ــ الإيرانية، وكانت إيران ترد بواسطتها على دعم فرنسا للعراق في الحرب، وتزويده بالأسلحة والخبراء العسكريين، فضلاً عن رعاية وإيواء «منظمة مجاهدي خلق» الإيرانية المعارضة.
ويجدر التذكير بأن هذه الموجهة الإرهابية، انعطفت نحو ما اصطلح على تسميته في ذلك الحين، بـ «حرب السفارات»، حيث حاصر كل بلد سفارة البلد الآخر وقد انتهت هذه الحرب، بعد التوقيع على وقف النار، وطي صفحة الحرب العراقية ــ الإيرانية.
وإذا كان لا بد من مثال معاكس فهو يتصل بالحرب الأمريكية على العراق، حيث وقعت أعمال إرهابية في كل من بريطانيا وإسبانيا، وأدت إحداها إلى سحب القوات الإسبانية من العراق، في حين لم تشهد باريس أعمالاً إرهابية، لأنها كانت قد اتخذت موقفاً مناهضاً للحرب في عهد الرئيس السابق جاك شيراك. ما يعني أن العمليات الإرهابية لا تسقط على العواصم الغربية عشوائياً، وإنما على هامش حروب ونزاعات. وهذا الاستنتاج ليس لتبريرها أو التخفيف من أثرها الدامي، فقتل الناس الآمنين لا يمكن تبريره بأي سبب، وإنما لتفسير سيرورة هذه الأعمال منذ انطلاقها، وحتى خاتمتها.
ما من شك في أن الموجة الإرهابية الأخيرة، تشبه الموجات السابقة مع فارق أن الإرهاب يضرب هذه المرة في بلدين أوروبيين، وفي وقت واحد تقريباً، ما يعني أن نية الإرهابيين متجهة نحو معاقبة القارة الأوروبية بأسرها، وهي التي غضت الطرف بداية عن انتقال رعاياها إلى سوريا والعراق، وكانت تأمل أن يلعبوا دوراً في إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد، إلا أن طول أمد الحرب أدى إلى عودة هؤلاء أو بعضهم، إلى بلدانهم وقد تعرضوا لغسل دماغ، وتحولوا إلى قنابل بشرية سرعان ما تنفجر هنا وهناك وهنالك، بعد أن جنحت فرنسا ومعها الدول الكبرى نحو تسوية الأزمة السورية بالوسائل السياسية وبالتالي تصنيف «داعش» وجبهة النصرة وفصائل أخرى في خانة الإرهاب والدعوة للتخلص منها.
ثمة من يرى في الغرب، أن لا علاقة للإرهاب بالبؤر المشتعلة في الشرق الأوسط، وأن الإرهابيين يفجرون أنفسهم لأنهم يكرهون الغرب والديمقراطية؟ هذا التفسير خاطئ لأسباب عدة من بينها ان الإرهابيين انفسهم الذين لم يتحولوا إلى قنابل بشرية إلا بعد ذهابهم إلى سوريا والعراق، ولم يذهبوا إلى الشرق الأوسط إلا لأن حكوماتهم غضت الطرف عن ذهابهم، من أجل إسقاط النظام السوري ما يعني بوضوح أن الظاهرة مرتبطة مباشرة بالحرب السورية، وأن طي صفحتها مرتبط بقوة بطي صفحة هذه الحرب التي قال عنها وزير الخارجية الفرنسي «لوران فابيوس» رضينا بذهاب فرنسيين إلى سوريا لأننا نقف معاً في صف قضية عادلة». على حد تعبيره!!
تبقى الإجراءات التقنية التي اتخذتها الحكومتان الفرنسية والبلجيكية، والتي يقدر لها أن تضع حداً للإرهاب. لا اعتقد أن هذه الإجراءات يمكن أن تؤدي منفردة إلى ضرب هذه الظاهرة، بعد حصرها ذلك أن أحداً لا يمكنه ردع شاب قرر أن يموت انتحاراً وفي ظنه إنه يخدم حضارته ودينه، إلا في حالة واحدة وأعني بها مرة ثانية طي صفحة الأزمة السورية.
أما الحديث عن توفر حاضنة للإرهابيين، في المعازل الاجتماعية في ضواحي المدن. فقد يطيل زمن الكشف عنهم واعتقالهم، فمن المرجح ان تظل هذه الظاهرة قائمة ما بقيت المعازل لكنها هي الأخرى لا تؤثر منفردة، بل تحتاج إلى صاعق وفرته الحرب السورية.