خليفة بن سلمان وامن الخليج...قراءة واعية لمخاطر المستقبل

Submitted by dody on أربعاء, 08/08/2012 - 02:12

خليفة بن سلمان وأمن الخليج...قراءة واعية لمخاطر المستقبل

---

فى واحدة من ابرز التصريحات واوضحها تعبيرا عن الواقع الذى تعيشه منطقة الخليج العربى فى ظل التحديات المتعددة التى تواجه دولها، جاء تحذير الشيخ خليفة بن سلمان آل خليفة رئيس الوزراء البحرينى على من "أن أي تلاعب باستقرار المنطقة سيتجاوز خطره محيطه الإقليمي ولن يكون محصورا في بعده الجغرافي، لذا فان الوقفة العالمية الجادة من أجل الحفاظ على استقرار هذه المنطقة وجعلها آمنة ضروريا لحيويتها وثقلها اقتصادياً وسياسياً"، ليعكس هذا التصريح إلى اى مدى يدرك القائمون على الامر فى مملكة البحرين للمخاطر التى تهدد امن المنطقة واستقرارها، ومدى رؤيتهم لواقع التحديات الواجب مواجهتها، وقراءتهم الصحيحة لمسارات التحرك فى هذا المضمار، انطلاقا من ادراكهم لما يمثله امن منطقة الخليج من اهتمام دولى منذ أن غدا النفط والغاز مصادر الطاقة الرئيسية وعماد النمو الاقتصادي، نظرا لما تملكه منطقة الخليج من نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط وربع الاحتياطي العالمي من الغاز، وهو ما جعل أمن منطقة الخليج يعني أمن الطاقة العالمي،هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى مثلت المكانة الجغرافية التى تشغلها المنطقة كممر دولى لحركة التجارة العالمية بكافة صورها اهمية اخرى اضفت بعدا جديدا على ضرورة ان يتحمل المجتمع الدولى مسئوليته فى الحفاظ على امن واستقرار المنطقة وعلى امن دولها وشعوبها.

وعلى هذا الاساس، جاءت توجهات السياسة الخارجية البحرينية فى هذا المضمار محددة الملامح وواضحة المعالم، حيث أكدت على عدة محاور أبرزها ما يلى:

أولا- التحالف مع القوى الدولية المعنية بأمن واستقرار هذه المنطقة وفى مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية التى بعد التواجد الامريكى المباشر فى المنطقة منذ الغزو العراقي للكويت فى تسعينيات القرن المنصرم وبدء حملة الحرب على الإرهاب مع بدايات القرن الجديدة فضلا عن الإرتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الخليجية، وهو ما لقى ترحبا من جميه الاطراف الدولية، خاصة الطرف الامريكى حيث أكد المسئولون الامريكيون على ان الولايات المتحدة ملتزمة بأمن منطقة الخليج التى يعبر منها قرابة 17 مليون برميل يوميا تمثل نحو 75% من احتياجات اليابان من الطاقة، كما تمثل نخو 70% من احتياجات الصين. وهو ما فرض على الولايات المتحدة ان تقوم بمهمة حماية امن المنطقة وتأمين خطوط نقل الطاقة من شمال الخليج العربى ومضيق هرمز وقناة السويس.

ثانياً- التأكيد على العلاقة الطردية بين الاستقرار في منطقة الخليج وحجم الاستثمارات الاقتصادية، فتتعاظم الخسائر المادية في الخليج بسبب القلاقل والإضرابات في المنطفة، وهو ما يتضح جليا فيما وصلت إليه الخسائر المالية التي تكبدتها دول الخليج في حروب وصراعات هذه الفترة والتي جاوزت 47 مليار دولار كمساعدات للعراق في حربها ضد إيران، و65 مليارًا في حرب الخليج الثانية، فان تصنيف منطقة الخليج كمنطقة عدم استقرار بسبب تلك الحروب والصراعات أبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشروإضافة إلى هذه الخسائر المادية خسرت المنطقة حياة مئات الآلاف من البشر، كما أشعلت هذه الحروب والصراعات عداوات بين أبناء الدين الواحد، وأدت إلى تفكك اجتماعي وتغذية الانقسام الطائفي، بل وأشعلت العداء بين أبناء الوطن الواحد عربي وكردي سُني وشيعي، وأبناء المنطقة الواحدة عربي وفارسي، وأوجدت خللاً في موازين القوى الإقليمية، وأدت إلى ظهور نوازع الهيمنة والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية من قبل الخارج.

ثالثا- التأكيد على اهمية التكاتف الخليجي لمواجهة التحديات، وهو ما بزر جليا في موضوع الوحدة أو الإتحاد الخليجي الذي تم طرحه مؤخرا وتستكمل دول الخليج الست المشاروات حول كيفية تطبيقه رغم المعارضة من قبل احدى الدول الاقليمية وتحديدا (ايران) لما يمثله هذا المشروع من حاجز صد امام طموحاتها واطماعها فى المنطقة. ويذكر ان هذا المشروع يأتى ضمن رؤية دول المجلس من أن أي اعتداء على أية دولة من دول المجلس يعتبر اعتداء على الجميع، وينبغي أن يتم التعامل مع أي اعتداء بالأسلوب الأمثل من خلال زيادة التنسيق المشترك والتكامل بين دول المجلس، وتكثيف التشاور فيما بين دول المجلس وبين القوى الدولية والاقليمية المؤيدة لاهمية حفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية الحساسة. ومن الجدير بالاشارة أن الواقع العملى شهد تجسيد لهذه الرؤية سواء اثناء الحرب على العراق 2003 او فى الازمة البحرينية، فقد كانت الاستجابة السريعة من جانب قوات درع الجزيرة تلبية للطلب البحرينى لدفع اية تهديد خارجي، حيث وضعت تلك الاحداث المجلس أمام مسؤولية تاريخية لا تتحقق بغير وحدة أعضائه، فى وقت أصبح النظام الإقليمي العربي يفتقر إلى الوحدة و التماسك، وبات الكيان العروبى مهددًا بالذوبان في نظام إقليمي مغاير وكذلك مواجهة المشاكل الحدودية العالقة بين دول المنطقة التي تشكل على الدوام قلقًا مستمرًا وحالة قد تفضي إلى مزيد من التوتر والنـزاع إذا لم تُحل بالطرق السلمية.

خامساً- التأكيد على العلاقة الوثيقة بين أمن الخليج والإعلام؛ فمنطة الخليج منطقة هامة واستراتيجية للعالم وهو ما جعل وسائل الإعلام تركز بشكل كبير على هذه المنطقة إذ لم يعد خافيًا على أحد أن هناك جزءًا من الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية بدأ يستهدف دول مجلس التعاون من خلال حملات إعلامية تبثها بعض أجهزة الإعلام التي تقدم تقارير منحازة مغايرة للحقيقة، وتستقي معلوماتها من مصادر تحرص على تقديم رؤيتها البعيدة عن الموضوعية، مما يجعل الحاجة ماسة لوقف التطرف الإعلامي الذي يشجع على الفوضى والانفلات الأمني، وبث الأفكار الهدامة، وهو ما ادركته المملكة من خلال تبنيها موقف جماعي لا يقتصر فقط على رد الاتهامات، بل يقدم رسالة إعلامية شاملة قادرة على التأثير لإظهار الحقيقة ويتطلب من وسائل الإعلام العربية مراعاة انتمائها القومي وتوخي الحرص فيما تقدمه من رسالة إعلامية قد تضر بأمن دول المنطقة وبالأمن القومي العربي عمومًا.

سادساً: مواجهة كافة المحاولات الرامية إلى اختراق المجتمعات الخليجية، خاصة من جانب  بعض المنظمات الحقوقية التي تسعى إلى تشويه الإنجاز الذي تحقق في مجال التنمية والإصلاح تحت دعاوى حقوق الإنسان؛ حيث دأبت على تدريب عدد من أبناء المنطقة على مقاومة الدولة و تغيير الأنظمة بصرف النظر عن النتائج و الخسائر، فهذه المنظمات وهي تخرج عن دورها الفعلي في حماية حقوق الإنسان وحرياته لتلعب دورا سياسيا للتأثير على استقرار الوضع. وقد ثبت بالتجربة أن بعض المنظمات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وأنها تتعمد استهداف دول الخليج التي تحترم حقوق مواطنيها، بينما هي تتغاضى عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في دول أخرى، فأين هذه المنظمات من حماية حقوق الإنسان الفلسطيني؟ أين هذه المنظمات من حماية القيم الإنسانية مثل حماية الأخلاق و الآداب العامة و صون المجتمعات من التعصب و الكذب و الإقصاء و ما سواه، وذلك في الوقت الذي تحاول المجتمعات الخليجية جاهدة بالإرتقاء بمنظومة حقوق الإنسان التي تحولت لمنظومة عالمية يجب أن تلتزم بها الدول.

خلاصة القول ان القيادة السياسية فى مملكة البحرين متمثلة فى الشيخ خليفة بن سلمان تمتلك رؤية نافذة وتصورات مبصرة وافكار وطنية وخطط استراتيجية وتحركات فعلية تسهم فى  مواجهة كافة التحديات التى تهدد امن واستقرار المنطقة بصفة عامة وامن دولها وامان شعوبها على وجه الخصوص، ادراكا ان الاهداف المشتركة لن تتحقق الا بالرؤي الجماعية والجهود التضامنية، وأن المصير المشترك لن يكن فى الامكان حمايته إلا بالعمل الجماعى والتفاعل اليومى مع الأحداث والتنسيق المستمر مع كافة القوى الدولية والاقليمية المعنية بأمن المنطقة واستقرارها.