مؤتمر المنامة: امن الخليج العربى ....تحديات ومخاطر

Submitted by dody on جمعة, 06/22/2012 - 01:45

مؤتمر المنامة: أمن الخليج العربي ...تحديات ومخاطر

---

لقد أصبح أمن منطقة الخليج محلا للاهتمامات الدولية منذ أن غدا النفط والغاز مصادر الطاقة الرئيسية وعماد النمو الاقتصادي، وذلك بسبب امتلاك منطقة الخليج نحو ثلثي الاحتياطي العالمي من النفط وربع الاحتياطي العالمي من الغاز.وانطلاقًا من هذه الأهمية أصبح أمن منطقة الخليج يعني أمن الطاقة العالمي، وتحول ليصبح مكونًا رئيسًا في إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، وهو ما تجسد في حرص الولايات المتحدة الأمريكية على عدم وقوع هذه المنطقة تحت سيطرة أي جهة سواء كانت قوة دولية أو إقليمية، وحرصها على احتواء تفاعلات القوى الإقليمية كأحداث الحرب الإيرانية العراقية في عقد الثمانينيات وما تلاها من أحداث حرب الخليج الثانية في بداية عقد التسعينيات؛ حيث اكتسب أمن منطقة الخليج بعدًا جديدًا بالوجود المباشر للقوات الأمريكية في هذه المنطقة، ثم قيادة الولايات المتحدة في الألفية الجديدة للحرب ضد الإرهاب. وحمل مؤتمر أمن الخليج العربي الذى نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية بالتعاون مع المعهد الملكى للدراسات الدفاعية والامنية فى لندن، العديد من الحقائق الإقليمية والاهتمامات الدولية بهذا الأقاليم وانعقاد هذا المؤتمر يأتي في وقت اكتسب فيه أمن منطقة الخليج أبعادًا جديدة؛ بسبب تعدد مصادر التهديد الأمني، كما تشهد الأوضاع الإقليمية عدم استقرار في بعض الأنظمة وتغيرات تمثلت في صعود تيارات وقوى وتعثر تيارات وقوى أخرى، وهذا الوضع المرتبك شجع إيران على التمدد إقليميا: عسكريا و سياسيا و إعلاميا، وهو ما اكسب هذا المؤتمر اهمية كبرى خاصة فى ظل الشكوك الذى اثيرت حول نوايا الولايات المتحدة بالالتزام بأمن الخليج العربى بعد اعلان وزير الدفاع الامريكى نفل 60% من قوات الاسطول الخامس فى البحرين الى منطقة المحيط الهادى.

وفى ضوء هذه الاهمية، كشفت مناقشات المشاركين فى المؤتمر عدد من الحقائق واجبة التسجيل، أبرزها:

أولا- رغم تنامى المخاوف الخليجية من المشروع النووى الايرانى وامكانية تراجع الدور الامريكى فى حماية امن الخليج، إلا ان المسئولين الامريكيين اكدوا على ان الولايات المتحدة ملتزمة بأمن منطقة الخليج التى يعبر منها قرابة 17 مليون برميل يوميا تمثل نحو 75% من احتياجات اليابان من الطاقة، كما تمثل نخو 70% من احتياجات الصين. وهو ما فرض على الولايات المتحدة ان تقوم بمهمة حماية امن المنطقة وتأمين خطوط نقل الطاقة من شمال الخليج العربى ومضيق هرمز وقناة السويس. ويذكر انه فى هذا الخصوص برزت الدعوة الى ضرورة اشراك الامم المتحدة وحلف الناتو فى الحفاظ على امن الخليج باعتباره يمثل منطقة مهمة فى الامن العالمى.

ثانياً- العلاقة الطردية بين الاستقرار في منطقة الخليج وحجم الاستثمارات الاقتصادية فتتعاظم الخسائر المادية في الخليج بسبب القلاقل والإضرابات في المنطفة، وهو ما أشار إليه وزير الداخلية البحرينى الشيخ راشد آل خليفة بقوله:" إن دول المجلس خسرت الكثير من الاموال وفرص النمو نتيجة الحروب التى حدثت فى الخليج العربى دون ان يكون طرفا فيها". ويتأكد ذلك فيما وصلت الخسائر المالية التي تكبدتها دول الخليج في حروب وصراعات هذه الفترة والتي جاوزت 47 مليار دولار كمساعدات للعراق في حربها ضد إيران، و65 مليارًا في حرب الخليج الثانية، فان تصنيف منطقة الخليج كمنطقة عدم استقرار بسبب تلك الحروب والصراعات أبعدها عن خريطة تدفق الاستثمار الأجنبي المباشروإضافة إلى هذه الخسائر المادية خسرت المنطقة حياة مئات الآلاف من البشر، كما أشعلت هذه الحروب والصراعات عداوات بين أبناء الدين الواحد، وأدت إلى تفكك اجتماعي وتغذية الانقسام الطائفي، بل وأشعلت العداء بين أبناء الوطن الواحد عربي وكردي سُني وشيعي، وأبناء المنطقة الواحدة عربي وفارسي، وأوجدت خللاً في موازين القوى الإقليمية، وأدت إلى ظهور نوازع الهيمنة والتوسع والتدخل في الشؤون الداخلية لدول الخليج العربية من قبل الخارج.

ثالثا: التحالف مع الولايات المتحدة: فالدول الخليجية لها علاقة تحالفية مع الولايات المتحدة منذ الغزو العراقي للكويت نهاية بالحرب على الإرهاب وكذلك الإرتباط الاقتصادي بين الولايات المتحدة والدول الخليجية التي تنعكس على هذه الدول بشكل أو بآخر فالتغييرات تلقي بظلال من التساؤل حول مدى جدية الحليف الأمريكي في تحقيق أمن منطقة الخليج، خاصة بعد أحداث الأزمة المالية العالمية 2008 وانشغال الإدارة الأمريكية بقضايا الاقتصاد الداخلي، وبعد تبنيها سياسات تخفيف الاعتماد على نفط الشرق الأوسط، وإعطاء أولوية إستراتيجية لمنطقة الشرق الأقصى ومنطقة الباسفيك.

رابعاً- التأكيد على اهمية التكاتف الخليجي لمواجهة التحديات، وهو ما بزر جليا في موضوع الوحدة أو الإتحاد الخليجي الذي تم مناقشته وهو ما لاقي معارضة من قبل إيران فدول مجلس التعاون تؤمن بأن أي اعتداء على أية دولة من دول المجلس يعتبر اعتداء على الجميع، وينبغي أن يتم التعامل مع أي اعتداء بالأسلوب الأمثل من خلال زيادة التنسيق المشترك والتكامل بين دول المجلس، وتكثيف التشاور فيما بين دول المجلس وبين أصدقائنا لحفظ الأمن والاستقرار في هذه المنطقة الحيوية الحساسة. فالإحساس بخطورة هذا الوضع والمصير المشترك قد دفع دول مجلس التعاون للاستجابة إلى طلب البحرين باستدعاء قوات درع الجزيرة تحسبا لأي تهديد خارجي، فقد وضعت أمام المجلس مسؤولية تاريخية لا تتحقق بغير وحدة أعضائه، فى وقت أصبح النظام الإقليمي العربي يفتقر إلى الوحدة و التماسك، وبات الكيان العروبى مهددًا بالذوبان في نظام إقليمي مغاير وكذلك مواجهة المشاكل الحدودية العالقة بين دول المنطقة التي تشكل على الدوام قلقًا مستمرًا وحالة قد تفضي إلى مزيد من التوتر والنـزاع إذا لم تُحل بالطرق السلمية.

خامساً- العلاقة بين أمن الخليج والإعلام؛ فمنطة الخليج منطقة هامة واستراتيجية للعالم وهو ما جعل وسائل الإعلام تركز بشكل كبير على هذه المنطقة إذ لم يعد خافيًا على أحد أن هناك جزءًا من الآلة الإعلامية الإقليمية والدولية بدأ يستهدف دول مجلس التعاون من خلال حملات إعلامية تبثها بعض أجهزة الإعلام التي تقدم تقارير منحازة مغايرة للحقيقة، وتستقي معلوماتها من مصادر تحرص على تقديم رؤيتها البعيدة عن الموضوعية، مما يجعل الحاجة ماسة لوقف التطرف الإعلامي الذي يشجع على الفوضى والانفلات الأمني، وبث الأفكار الهدامة، وهذا يتطلب أولاً تبني موقف جماعي لا يقتصر فقط على رد الاتهامات، بل ويقدم رسالة إعلامية شاملة قادرة على التأثير لإظهار الحقيقة ويتطلب من وسائل الإعلام العربية مراعاة انتمائها القومي وتوخي الحرص فيما تقدمه من رسالة إعلامية قد تضر بأمن دول المنطقة وبالأمن القومي العربي عمومًا.

سادساً: محاولات اختراق المجتمعات الخليجية: فالدور الذي تمارسه بعض المنظمات الحقوقية التي تسعى إلى تشويه الإنجاز الذي تحقق في مجال التنمية والإصلاح تحت دعاوى حقوق الإنسان؛ حيث دأبت على تدريب عدد من أبناء المنطقة على مقاومة الدولة و تغيير الأنظمة بصرف النظر عن النتائج و الخسائر، فهذه المنظمات و هي تخرج عن دورها الفعلي في حماية حقوق الإنسان وحرياته لتلعب دورا سياسيا للتأثير على استقرار الوضع. وقد ثبت بالتجربة أن بعض المنظمات التي تدعي أنها معنية بحقوق الإنسان تمارس سياسة الكيل بمكيالين، وأنها تتعمد استهداف دول الخليج التي تحترم حقوق مواطنيها، بينما هي تتغاضى عن انتهاكات حقيقية لحقوق الإنسان في دول أخرى، فأين هذه المنظمات من حماية حقوق الإنسان الفلسطيني؟ أين هذه المنظمات من حماية القيم الإنسانية مثل حماية الأخلاق و الآداب العامة و صون المجتمعات من التعصب و الكذب و الإقصاء و ما سواه، وذلك في الوقت الذي تحاول المجتمعات الخليجية جاهدة بالإرتقاء بمنظومة حقوق الإنسان التي تحولت لمنظومة عالمية يجب أن تلتزم بها الدول.

سابعاً: الإرهاب والتطرف والعنف كتهديد للأمن الخليجي: حيث أصبح الإرهاب ظاهرة دولية عابرة للحدود ولا بد من تعاون الدول الخليجية لمكافحته والقضاء عليه وتطور التقنية الحديثة أوجد شبكات الكترونية وأصبح الفضاء الالكتروني للدول مهدداً، وقد تم استغلال هذه الشبكات في عمليات التهريب والشغب والإرهاب والإجرام، وأضحت مدعاة قلق لكل شعوب ودول العالم، ومن ثم فالتهديدات المتلاحقة التي تواجهها الدول الخليجية ليست قليلة سواء من الجماعات التخريبية في الداخل أو من خلال تنظيم القاعدة في الخارج.

ثامناً: الأوضاع في المنطقة العربية وما شابها من ثورات وتغيير في الانظمة العربية بالإضافة للتهديدات الإسرائيلية للمنطقة العربية بشكل عام وليس للدول الخليجية فقط، وهو ما يؤثر بشكل أو بأخر على استقرار وامن الدول الخليجية وهو ما حدث في قضية اغتيال المبحوح ومحاولات الموساد الإسرائيلي اختراق الدول الخليجية.

لاشك أن الدول الخليجية تواجه العديد من التحديات الأمنية في المنطقة خصوصاً بعد التغيرات والثورات التي شهدتها الدول العربية وتهديدات القوى الإقليمية الغير عربية، وهذا ما سيجعل الدول الخليجية أكثر يقظة من أجل الحفاظ على أمنها واستقرارها في المستقبل القريب.