التعديلات الدستورية فى البحرين....استجابة دولة لإرادة شعب

Submitted by dody on أربعاء, 05/16/2012 - 02:59

التعديلات الدستورية فى البحرين .. استجابة دولة لإرادة شعب

---

ليست مبالغة القول ان تصديق العاهل البحريني على التعديلات الدستورية مؤخراً يمثل دليلا قاطعا وبرهانا حاسما على أن أبواب الحوار مفتوحة، وان نيات الاصلاح قائمة وان ارادة التغيير تعمل بكفاءة وفعالية، فبعد ان اعتقدت المعارضة البحرينية بأن ما اثارته من  ازمة مجتمعية كادت ان تهدد كيان الدولة ومستقبلها، جاءت تلك الازمة لتؤكد على امرين مهمين: الاول، ان اللحمة الوطنية فى المملكة محصنة ضد التدخلات الخارجية والاجندات الاجنبية. الثانى، ان القيادة السياسية التى تدير دفة الحكم هى القيادة الحقيقة المعبرة عن طموحات الشعب وتطلعاته، فقد مثلت الازمة تجديد ثقة شعبية فى دورها واداءها ورفض جميع التجاوزات التى اثارتها تلك القوى ذات المرجعيات الخارجية.

كما مثلت تلك التعديلات التى كانت ترجمة فعلية للمرئيات التي تم التوافق عليها في اطار الحوار الوطني الذى شاركت فيه مختلف القوى السياسية البحرينية إلا من أبى ان يكون الوطن هو هدفه والمواطن هو شغله الشاغل.

ورغم إقرار ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تعديلات على الدستور الساري منذ 2002, التي من شأنها من شأنها أن تعزز صلاحيات البرلمان, إلا أن ذلك لم يرض المعارضة التي تطالب بحكومة منتخبة من النواب لا عن طريق التعيين, وبحذف مجلس الشورى, واعتبرت المعارضة تلك التعديلات شكلية.  

وتكشف القراءة المتأنية لما تضمنته تلك التعديلات من رؤى ما يلى:

أولاً- شملت التعديلات الدستورية النص على توسيع صلاحيات البرلمان لاستكمال مسيرة الاصلاح التى بدأتها المملكة مع بداية الالفية الثالثة، حيث تم اعطاء مجلس النواب المزيد من القوة ومنحه الصلاحيات الكاملة بحق قبول او رفض بيان الحكومة، كما اعطته صلاحيات كاملة للمساءلة والرقابة ستنعكس فى تعزيز الاداء البرلماني.

ثانيا- مثلت التعديلات ترجمة واقعية للإرادة الشعبية وما توافقت عليه مكونات المجتمع البحريني كافة في حوار التوافق الوطني، وما قامت به السلطة التشريعية بالتعاون مع السلطة التنفيذية في دراسة مستفيضة ومناقشة جادة ومسؤولة.

ثالثا- ترسم التعديلات الدستورية مستقبل المملكة خلال المرحلة المقبلة، حيث تسهم فى تطوير العمل البرلماني وتعزيز الممارسة الديمقراطية وتؤكد على أن عملية الاصلاح في المملكة البحرين مستمرة ومتواصلة لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين.

رابعا- جعلت التعديلات الدستورية البحرين محل اعتزاز وتقدير في الخارج حيث أشاد الدكتور نبيل العربى الأمين العام لجامعة الدول العربية والأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور عبد اللطيف الزياني عن بتصديق الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل مملكة البحرين على التعديلات الدستورية فى المملكة واعتبراها خطوة مهمة على طريق تدعيم مسيرة الوفاق والحوار الوطنى بين أبناء الشعب البحرينى.

وفى ضوء ما سبق، يمكن القول أن المملكة سوف تحصد العديد من الايجابيات بفضل  التعديلات الدستورية والتى يمكن رصدها فيما يلى:  

  1. زيادة مظاهر النظام البرلماني في نظام الحكم حيث تتميّز معظم أنظمة الحكم في دول العالم بأنها تعتمد أحد نظامين دستوريين أساسيين وهما النظام البرلماني والنظام الرئاسي، ويختلف هذان النظامان بشكل رئيس في طبيعة العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويعتبر النظام البريطاني النموذج الأساس للنظام البرلماني، في حين يعتبر النظام الأمريكي النموذج الأساس للنظام الرئاسي أما في مملكة البحرين، فإن النظام الدستوري يعتمد على المزاوجة بين النظامين البرلماني والرئاسي بهدف الاستفادة من مزايا كل نظام، ولهذا يعتبر نظاماً مختلطاً ليتناسب مع خصوصية المجتمع البحريني. ففي هذا النظام، تعتمد الشرعية على الإرادة الدستورية المحددة في الدستور، بمعنى إرادة الشعب التي يتم التحقق منها في الانتخابات البرلمانية التي تتم كل أربع سنوات، أو في الاستفتاءات العامة التي يمكن أن يدعو إليها العاهل البحرينى. وفي ضوء ذلك، تهدف التعديلات الدستورية إلى الاستفادة من المظاهر البرلمانية بما كان منصوصاً عليه من مبادئ في ميثاق العمل الوطني، خصوصاً فيما يتعلق بالصلاحيات الدستورية للملك. بالتالي جاءت التعديلات الدستورية الجديدة لتحافظ على المكانة التي يتمتع بها جلالة الملك في النظام كما هو منصوص عليها في الدستور والميثاق، وفي الوقت نفسه، تعمل على تعزيز مظاهر النظام البرلماني بما يعزز الإرادة الشعبية.
  2. إعادة تنظيم العلاقة بين السلطتين التنفيذية (الحكومة) والتشريعية (البرلمان) بما يضمن مزيداً من التوازن فيما بينهما بما تتضمنه تلك التعديلات من إضافة ضمانات جديدة تطبق عند استخدام العاهل البحرينى لحقه في حل مجلس النواب وتعيين أعضاء مجلس الشورى، وتعزيز دور السلطة التشريعية في منح الثقة للحكومة التي يختارها العاهل، بالإضافة إلى ضمانات أخرى لاستجواب الوزراء، وتفعيل دور المجلس النيابي في تقرير عدم إمكان التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، وتحديد فترة زمنية لإبداء الحكومة أسباب تعذر الأخذ بالرغبات التي يبديها مجلس النواب، ومنح مجلس النواب حق طلب المناقشة العامة، وتحديد مدة زمنية لإحالة مشروعات القوانين إلى المجلس الذي ورد منه الاقتراح، ووضع قواعد خاصة لإعداد الميزانية من المجلسين بما يمكن من العمل بالميزانية الجديدة في بداية السنة المالية وبما لا يسمح بإصدار الميزانية لأكثر من سنتين ماليتين.
  3. إعادة تنظيم مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي ويضمن الاختيار الأنسب لأعضاء المجلسين وتتضمن التعديلات الدستورية إعادة تنظيم صلاحيات مجلسي الشورى والنواب بما يعطي دوراً أكبر للمجلس النيابي، ومن مظاهر هذا التنظيم انفراد المجلس المنتخب بالرقابة على الحكومة، وتغيير رئاسة المجلس الوطني (البرلمان بغرفتيه) من رئيس مجلس الشورى ليكون رئيس مجلس النواب لأنه الأكثر تمثيلاً للإرادة الشعبية، وبالتالي للرئيس المنتخب صلاحية إحالة مشروعات القوانين التي تمت الموافقة عليها من المجلسين للحكومة لاتخاذ إجراءات الإصدار.

خلاصة القول أن التعديلات الدستورية تشكل محطة أساسية تؤهل مملكة البحرين للانتقال إلى مرحلة جديدة من الإصلاحات، وعجلة الإصلاح لن تتوقف أو تنتهي عند حد معين، فالبحرين بحاجة إلى ديمقراطيين يمارسوا الديمقراطية حيث أصبحت قادرة على التعامل مع كافة المنعطفات التي تواجهها، وبما من شأنه أن يقود إلى حماية اللحمة الوطنية وحفظ التوازنات والمكونات على اختلاف مشاربها.