الصحافة وعلماء الامة ... ازمة البحرين نموذجا

Submitted by dody on جمعة, 02/17/2012 - 21:10

الصحافة وعلماء الأمة ... أزمة البحرين نموذجًا

---

ما بال الزمان يضن علينا برجال يرفعون الالتباس فى الفهم ويوضحون حقائق الامور قبل ان يختلط الثمين مع الغث، والحق مع الباطل. فيطل علينا بعض الاحاد من الناس برؤى شخصية واراء فردية لا يفروق فيها بين تسجيل المواقف وقراءة الحقائق، فيقدمون احلامهم على وقائع حياتهم، وامانيهم على طموحات شعوبهم. ياتى هذا الحديث تعقيبا على ما نشره الكاتب المصرى الدكتور رفعت سيد احمد فى مقال له بجريدة الدستور المصرية فى الخامس عشر من يناير الجارى حول احداث البحرين وتساؤله عن غياب دور العلماء والثوار مما شهدته المملكة من احداث مؤسفة فى اوائل العام الماضى، حيث يرى ان ثمة صمتا خيم على مواقف هؤلاء العلماء والثوار من هذه الاحداث والتى وصلت الى انتهاكات بحق النساء البحرينيات بفعل الشرطة البحرينية والقوات الخليجية التى تواجدت فى المملكة خلال تلك الاحداث، مسترشدا على حد وصفه بموقف الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين" برئاسة الشيخ يوسف القرضاوى.

والحقيقة انه دون الدخول فى جدلات ومناقشات حول خطأ الرؤية وغياب الحيادية والمنهجية فى تحليله للموقف البحرينى برمته سواء على مستوى الداخل البحرينى او على المستوى الخليجى والدولى. يصبح من الاهمية بمكان رصد مجموعة من الملاحظات المهمة التى تمثل ردا قاطعا على ما اثير فى هذا المقال، نجملها فيما يلى:

أولا- ليس صحيحا ان علماء الامة الاسلامية تخاذلوا فى اتخاذ مواقف حاسمة حيال ما يشهده العالم العربى اليوم من احداث وثورات ربيعية صححت مسار الحياة فى تلك البلدان واعادت الاوطان الى اهلها، فقد كان لعلماء الامة سواء علماء الازهر الشريف او بقية المؤسسات الدينية الصحيحة مواقف مشرفة من الثورات العربية، مواقف قائمة على القراءة الصحيحة والرؤية المنضبطة لكل حالة فى ضوء رصد الواقع بحيادية وتقييم الاحداث بموضوعية دون تهوين او تهويل، وكان للشيخ الجليل يوسف القرضاوى موقفا واضحا ومحددا مما يحدث فى جميع البلدان العربية، ففى الوقت الذى ساند فيه الشعوب فى المطالبة بحقوقها وحرياتها كما حدث فى مصر وسوريا وليبيا واليمن بصفة عامة، كان موقفه من احداث البحرين موقفا واضحا وضوح الشمس فى كبد السماء، حيث اكد بصريح العبارة دون مجاملة او مداهنة لاحد بأن الامر فى مملكة البحرين مختلف عما تشهده بقية البلدان العربية، وقد اثبتت الاحداث التالية للازمة صحة رؤيته وسلامة منطقه، فما اتخذته الدولة البحرينية قيادة وحكومة من خطوات جادة وحقيقية ساهمت فى احتواء الازمة وطرح الحلول العاجلة لها على عكس ما عاشته بعض الشعوب الاخرى كالشعب الليبى والسورى واليمنى الذى مارسته قيادته انتهاكات صارخة وواضحة وجلية بحق ابناء شعبها.

ثانيا- تجاهل الكاتب الكثير من الحقائق التى رصدتها التقارير الدولية والاقليمية ووسائل الاعلام بمختلف صورها عما شهدته المملكة من خطوات نحو الاستقرار المجتمعى والحفاظ على اللحمة الوطنية بدءا من صندوق تعويضات المصابين والشهداء، مرورا بحوار  التوافق الوطنى وصولا الى لجنة تقصى الحقائق الذى جاء تقريرها معبرا وبكل صراحة عن حيادية المعالجة ومهنية الطرح ومستقبلية الحلول التى تضمنها وكذلك المبادرة بالتعديلات الدستورية التى من شأنها بدء مرحلة جديدة من الملكية الدستورية. ليكشف ذلك عن امرين مهمين: الاول، إما ان الكاتب لم يتابع الاحداث فى المملكة وتوقفت متابعته حتى الايام الاولى من الاحداث خلال العام الماضى مستمعا او مشاهدا فيها لواحدة من القنوات التليفزيونية الموجهة. الثانى، أن الكاتب ظل اسير اعلام موجهة قائم على تزييف الحقائق وقلب الوقائع، وفى حين كان الاولى به ان يتابع الاخبار من مصادر مختلفة ومتنوعة لعله يكتشف حقيقة الزيف الذى تلعبه بعض القنوات الاعلامية فى تضليل الرأى العام والكذب عليه.

ثالثا- اشار الكاتب فى مقاله الى موقف دول مجلس التعاون الخليجى من الاحداث فى المملكة، ولكن يظل التساؤل المطروح هل من الخطأ ان تتدخل الدول التى تربطها علاقات اخوية وجغرافية ورابطة قومية ومؤسسية لحل ازمات دول اخرى؟ فاذا كانت الاجابة بالايجاب فلماذا يتم اقامة المؤسسات ولماذا تنضم الدولة اليها؟ فالدور الذى لعبه مجلس التعاون الخليجى دورا متميزا سياسيا ويتفق وصحيح القانون الدولى، فما زال الجميع يحلم بأن تلعب جامعة الدول العربية كمنظمة اقليمية وحيدة فى المنطقة الدور ذاته. بل تكشف رؤية الكاتب عن خلط للاوراق، فاذا كان الجميع ينادى بتفعيل دور جامعة الدول العربية لحل الصراعات والازمات العربية - العربية او داخل الدول العربية دون التدخلات الاجنبية كما هو الحال فى سوريا اليوم، فهل يعقل ان ينادي البعض بتراجع دور مؤسسة دول مجلس التعاون الخليجى كمنظمة اقليمية تسعى الى ضمان الامن والاستقراء سواء على مستوى المنطقة برمتها او داخل بلدانها الاعضاء؟

خلاصة القول أن ما جاء فى هذا المقال الصحفى يحتاج الى اعادة قراءة صحيحة من جانب كاتبه يتدارس فيه حقائق الواقع دون تجميل او تقليل، ويقلب صفحات التقارير الدولية والصحف العالمية والعربية والقنوات الفضائية التى ترصد الحدث اولا بأول بما يجعل مملكة البحرين اشبة بكتاب مفتوح امام الجميع يقرأ فيه انجازات متميزة ونجاحات متعددة ومكتسبات متحققة بفضل جهود حكومية وطنية مخلصة آلت على نفسها ان تتحمل عبء مسئولية ضخمة فى لحظات حالكة السواد ايمانا منها بأن الصعاب والازمات هى التى يتحملها الرجال الشجعان ولا يهرب منها الا الاطفال الجبناء الذين لا يزداد حجم مساهمتهم فى تلك اللحظات إلا مزيدا من العويل والضجيج وارتفاع الاصوات دون المساهمة بخطط مستقبلية او رؤى حقيقية او خطوات فعلية.