ايران واغلاق هرمز:سياسة اقليمية فاشلة

Submitted by dody on جمعة, 01/20/2012 - 17:48

 

ايران واغلاق هرمز: سياسة اقليمية فاشلة

---

احمد ابراهيم

باحث فى الشئون السياسية

اذا كان من المفهوم ان الدول تسعى فى سياستها الخارجية الى تحقيق مصالحها القومية، كون ان السياسة الخارجية للدولة هى احدى ادوات تنفيذ رؤيتها الشاملة لنفسها سواء فى الداخل او الخارج. واذا كان من المفهوم كذلك أن السياسة الخارجية هى امتدادا للسياسة الداخلية للدولة بمعنى أن ارتباط السياستين يعكس وحدة الفكر وشمولية الرؤية ومنطقية الحلول التى ينتهجها القائمون على امور الدولة وشئونها. إلا انه من غير المفهوم أن تأتى سياسة خارجية لدولة ما معبرة عن تخبط فى رؤيتها ومنهجيتها وسلوكها وادواتها، وهو ما ينطبق على ايران الدولة والنظام الخمينى الذى ما زال حاكما حتى اليوم دون ان يستقرأ المتغير ويوازن المستحدث ويساير التطور سواء على مستوى الداخل الايرانى او مستوى الخارجى اقليميا وعالميا، بما يجعل من النظام الايرانى الراهن نظاما خارج اطار الزمان والمكان الذى يتعامل معه. فاذا كانت شخصية الدولة هى نتاج تفاعل الموقع والموضع كما اشار الى ذلك عالم الجغرافيا جمال حمدان، فإن شخصية ايران القومية تعكس حالة من خلل التوازن بين الموقع والموضع تعكسها سياساتها الداخلية والخارجية. واذا افردنا الحديث الان عن سياسة خارجية ايرانية على مستوى الجوار الاقليمى المباشر المتمثل فى منطقة الخليج العربى، تصبح القراءة المتأنية لتصريح وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي لقناة إن.تي.في التركية, خلال زيارته الحالية لأنقرة فى يناير 2012, بأن:"طهران لم تحاول من قبل إغلاق مضيق هرمز ولكن مواقف بعض دول الخليج قد تدفعها لفعل ذلك....نريد السلام والهدوء في المنطقة لكن بعض الدول تريد توجيه دول أخري وجهة تبعد12 ألف ميل عن هذه المنطقة ....أناشد كل دول المنطقة.. أرجوكم لا تدعوا أحدا يستدرجكم إلي وضع خطير"، كاشفة عن سوء فهم وسوء تقدير بل وغياب رؤية ايرانية قائمة على قراءة واعية لموقعها فى تلك المنطقة سواء على مستوى تفاعلاتها مع دولها او على مستوى المنطلقات الحاكمة لسياسات تلك الدول.

فعلى مستوى تفاعلات طهران مع دول الخليج منذ قيام الثورة الايرانية عام 1979 بقيادة الامام الخمينى وتبنيه مبدأ تصدير الثورة كأحد المبادئ الحاكمة فى سياسة ايران الخارجية، أكدت ممارسات الواقع عن خطأ هذا المبدأ وفشله فى تحقيق اهدافه نظرا لعاملين: الاول، التباين الشديد فى الرؤية والاولويات بين الطرفين الايرانى والخليجى. الثانى، التباين الشديد بين المنطلقات الفكرية والايديولوجية الحاكمة لدى كل طرف. فالاختلاف المذهبى والطائفى من ناحية والعرقى من ناحية اخرى يؤكد على قراءة غير صحيحة لواقع دول منطقة الخليج، ومما يزيد الامر سوءا انه على الرغم مما كشفه الواقع من فشل هذا المبدأ إلا ان المسئولين الايرانيين ما زالوا يسيرون على النهج ذاته بحجة المحافظة على الثوابت، متناسين ان السياسة الخارجية الناجحة هى تلك الجامعة بين الثابت والمتغير، بين السكون والحركة، بين الاجمال والتفصيل، ويدلل على خطأ المنهج الفشل الايرانى المتكرر فى التدخل فى الشئون الداخلية للدول الخليجية كما حدث فى البحرين ابان ازمة فبراير الاخيرة.

أما على مستوى منطلقات دول الخليج، فالقراءة غير الصحيحة لايران لمنطلقات دول الخليج فى سياستهم الخارجية القائمة على مجموعة من المبادئ والقيم السياسية المرتكزة على حسن الجوار، ورفض التدخل فى الشئون الداخلية للدول، واحترام سيادة الدول، التعامل بفعالية فى اطار المنظومة الدولية، الحفاظ على الاستقرار الاقليمى والعالمى ليس فحسب على المستوى السياسى وإنما الاقتصادى، وهو ما يؤكد على دورها المهم فى دعم الاقتصاد العالمى من خلال الحفاظ على مستوى مناسب من الاسعار فى مجالى الطاقة (النفط والغاز) منعا لحدوث ازمات دولية لا تتحملها الدول النامية والفقيرة فى النظام الدولى بما يهدد كيانها واستقرارها وبما ينعكس سلبا على واقع النظام الدولى برمته. بمعنى أكثر شمولا، تدرك دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية المسئولية التى تتحملها دوليا واقليميا فى الحفاظ على استقرار الاقتصاد العالمى من خلال الحفاظ على اسعار الطاقة العالمية فى ظل ما يواجه النظام الاقتصادى العالمى من ازمات مالية واقتصادية عصفت بكيانات مؤسسات دولية كبرى وكادت ان تودى بكيانات دولية أخرى.

خلاصة القول، أن الدول فى سياستها الخارجية لا بد ان تنطلق من قراءة واعية وصحيحة وعميقة لموقعها فى النسق الدولى، فلا تكون سياستها قائمة على اطلاق تهديدات تنعكس سلبا على اوضاعها السياسية من اجل شعارات فارغة وكلمات جوفاء تخاطب بها عاطفة البلهاء، وإنما تنطلق سياستها من ادراك واعى لاهمية تفاعل وافعها الاقليمى ودورها العالمى ومسئولياتها المتنوعة داخليا وخارجيا، اقليميا وعالميا، اقتصاديا وسياسيا.