القيادة القطرية للجامعة العربية

Submitted by dody on جمعة, 12/23/2011 - 01:07

القيادة القطرية للجامعة العربية

عطا السيد الشعراوى

خبير فى الشئون العربية

في غمرة الانشغال بالتطورات المتلاحقة والتغيرات المتتالية في العالم العربي أو ما بات يعرف بربيع الثورات العربية، فوجىء الكثيرون بهذا الظهور المفاجيء للجامعة العربية والأدوار الملموسة التي قامت بها وخاصة في الأزمتين الليبية ومن بعدها السورية، وذلك بعد أن كادت تترسخ قناعة عربية بأن الجامعة قد ماتت “اكلينيكًا” وأنها أضحت عبئًا على دولها تستنزف وقتهم وجهدهم وتشعل الخلافات بينهم دون أن تقدم لهم خدمة أو تحل لهم أزمة، مما حدا بالكثير من المحللين والمفكرين العرب إلى الحكم “بإعدام “ الجامعة العربية والمطالبة بإلغائها والكف عن الحديث عن كونها مظلة عربية جامعة بعد أن آثرت الدول المكونة للنظام العربي العمل بشكل فردي وفق ما يحقق مصالح كل دولة حتى لو جاء ذلك على حساب دولة عربية أخرى، أي دون مراعاة للرابطة العربية.

والملاحظ أن الجامعة أصبحت تتخذ أدوارًا وتنتهج مواقف تختلف كثيرًا عن مراحل سابقة في مسيرة العمل العربي المشترك، ففي ليبيا على سبيل المثال، مهدت الجامعة للتدخل العسكري لحلف الناتو واسبغت عليه شرعية عربية كانت ضرورية لإنجاح هذا التدخل والقبول به. وفي سوريا، ظهرت جرأة الجامعة في فرض جملة عقوبات على النظام السوري كان الهدف من وراءها احتواء الأزمة عربيًا والحيلولة دون تدويلها وما قد ينجم عن ذلك من مخاطر كثيرة لن تقوي دول المنطقة على مواجهتها أو حتى التكهن بحدودها.

وليس خافيًا أن النشاط الملحوظ للجامعة العربية تقف وراءه بالاساس دولة قطر، وربما هذا هو السبب في تخوف بعض الدول العربية وتحفظ بعضها على ما تمارسه الجامعة العربية حاليا من أدوار وما تتخذه من مواقف وقرارات.

هذا التخوف من والتحفظ على القيادة القطرية الحالية للجامعة العربية مرده التشكيك في النوايا القطرية بالأساس، وبمعنى آخر الاعتقاد بأن دولة قطر تحرك الجامعة العربية بما يحقق مصالحها هي دون مراعاة الدول العربية الأخرى، وهو ما ينذر – برأي هؤلاء - بقرارات مستقبلية قد تشكل تهديدًا لمصالح تلك الدول وأن تدور الدائرة عليهم في حال حدوث أي صدام أو عدم توافق بين تلك الدول ودولة قطر.

وغني عن القول إن لكل دولة الحق في البحث عن مصالحها والعمل وفق ما يتراءى لها سواء كانت تلك الدولة هي قطر أو أي دولة أخرى، فأينما وجدت المصلحة فثمة السياسة الخارجية للدولة، فهذه هي القاعدة التي تحكم العلاقات الدولية عمومًا والعالم العربي ليس استثناءً عنها.

 وبرأيي ان قطر تحاول الآن الانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل الصعود الخارجي وهي مرحلة العمل من خلال الجامعة العربية وقيادة منظومة العمل العربي بعد العمل بشكل فردي، حيث اتبعت قطر سياسة خارجية نشطة على مدار السنوات القليلة الماضية وتدخلت في العديد من بؤر التوتر والنزاعات وأسهمت في إيجاد تسويات وحلول لبعضها، كما أخفقت في بعضها، لكنها في كل الأحوال لفتت الأنظار وحولت الانتباه إليها ونزعت أدوارًا من دول أخرى تمثل مراكز ثقل في المنطقة سواء لعدم رغبتهما في التدخل أو لانشغالهما بقضايا وتطورات داخلية استأثرت اهتمام هاتين الدولتين، فكانت الساحة العربية خالية لمن يريد أن يقوم بهذا الدور “القائد”، وكانت قطر التي يحسب لها أنها قادت الجامعة العربية -على الأقل حتى الآن - وفق ما تريد غالبية الدول العربية وشعوبها سواء في ليبيا أو في سوريا.

أما التشكيك وإثارة المخاوف إزاء هذا الدور القطري المتصاعد و”الانفراد” بمقاليد الجامعة العربية، فهو فضلاً عن كونه غير مفيد ويشكل مضيعة للوقت، فإنه غير مبرر لجملة من الأسباب أهمها أن هناك ما يمكن أن نسميه توافقًا عربيًا رسميًا وشعبيًا على الخطوات والقرارات التي تصب في المصلحة العربية وتلك التي تضر المنطقة، وهذا التوافق يشكل خطا أحمر لأي دولة تقود النظام العربي ويجعلها غير قادرة على تجاوزه لأنها ستواجه مواجهة شرسة على المستويين الشعبي والرسمي، ولا توجد دولة قادرة على تلك المواجهة لأنها محسومة بالقطع لصالح الغالبية.

كما أن الجامعة العربية وبغض النظر عن الدولة التي تسيطر على النظام العربي لم تكن يومًا مستقلة في قرارها الاستقلال التام، فالجامعة بالنهاية هي انعكاس للدول التي تتشكل منها وهذه الدول هي الأخرى تراعي في قراراتها اعتبارات عديدة داخلية وخارجية ولا تختلف قطر عن هذه القاعدة وتلك الدول، وبالتالي فمن الصعب أن توجه قطر الجامعة لاتخاذ قرار “شاذ” ضد المصلحة العربية.

لذا من الأجدى عربيًا استثمار هذه القيادة القطرية الراهنة للجامعة في إحياء نشاطها وتفعيل دورها وإدخال الإصلاحات المطلوبة بما يتناسب مع قيمتها وأهميتها في تطوير العمل العربي المشترك، خاصة وأن الأمين العام الحالي للجامعة “ نبيل العربي” معروف بحسه القومي وإيمانه بدور الجامعة العربية في تشكيل حاضر الأمة العربية ومستقبلها.

إلا أن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل دولة قطر بإمكاناتها الحالية وهي في كل الأحوال لا تتناسب مع إمكانات دولة قائدة لنظام إقليمي قادرة على الاستمرار في هذا الدور ؟ وإلى متى ؟!