مملكة البحرين بين مرئيات الحوار وتوصيات لجنة تقصى الحقائق

Submitted by dody on اثنين, 12/19/2011 - 02:17

مملكة البحرين بين مرئيات الحوار وتوصيات لجنة تقصى الحقائق

عطا السيد الشعراوي

باحث فى الشئون العربية

إن الأزمات والمحن على قسوتها وشدتها لا تخلو غالبا من فوائد ودروس مستفادة تفرض ضرورة الوقوف عندها ودراستها جيدًا من أجل بناء مستقبل أفضل، خاصة وأن الأزمات تخلق في العادة مبادرات خلاقة وآليات غير تقليدية من أجل وضع الحلول الموضوعية الملائمة لها.

ومن أهم المؤشرات الدالة على علمية وشمولية وموضوعية المبادرات المختلفة والآليات المتنوعة لمواجهة الأزمات، أن تكون متسقة مع بعضها البعض دون وجود أي تعارض أو تناقض، وهو ما ينطبق تمامًا على ما اتخذته قيادة مملكة البحرين وحكومتها من خطوات تصحيحية ومبادرات علاجية لأزمة 14 فبراير ومن أهمها حوار التوافق الوطني وتشكيل لجنة دولية لتقصي الحقائق.

فقد كان الحوار ساحة للنقاش ومائدة للتفاوض وطرح الأفكار التطويرية ووضع خارطة طريق مستقبلية بمشاركة مختلف ألوان الطيف في الواقع السياسي والفكري والثقافي، من جمعيات سياسية، وبرلمانيين ووزراء وإعلاميين ومفكرين ورجال دين وممثلين لمؤسسات المجتمع المدني.

بينما كان تشكيل لجنة دولية مستقلة لتقصي الحقائق في الأحداث التي وقعت خلال شهري فبراير ومارس الماضيين مبادرة نوعية أخرى لمعالجة آثار الأزمة وتوثيق تلك المرحلة المهمة على ايدى اشخاص وكفاءات مستقلة تتمتع بسمعة دولية كبيرة كي تكون النتائج موضع قبول من جميع الأطراف ومختلف الأطياف وغير قابلة لأي تشكيك.

ولأن المبادرتين كانتا تسيران في الطريق الصحيح وتعبران عن رغبة حقيقية من جانب الدولة لإزالة جميع آثار وتداعيات أزمة 14 فبراير، جاءت أهم التوصيات الصادرة عن لجنة تقصي الحقائق كما أوصى المشاركون في حوار التوافق الوطني في المجالات المختلفة ومنها القانونية والإعلامية والاجتماعية، وهي التوصيات التي بادر رئيس الوزراء إلى اتخاذ الخطوات العملية لوضعها موضع التنفيذ الدقيق والمحكم.

فعلى الصعيد القانوني والحقوقي على سبيل المثال، أوصت لجنة تقصي الحقائق بتنفيذ برنامج موسع للتدريب على قواعد النظام العام، وذلك للعاملين بقوات الأمن العام وجهاز الامن الوطني وقوة دفاع البحرين بما في ذلك شركات الأمن الخاصة التابعة لها وفقاً لأفضل الممارسات الصادرة عن الأمم المتحدة. كما أوصت بتدريب قوات الأمن على الحقوق الأساسية للإنسان أثناء التوقيف وسماع الأقوال، وعلى وجه الخصوص ضرورة رفض المشاركة في أي إجراء قد يشوبه تعذيب أو أي شكل من أشكال سوء المعاملة الأخرى المحظورة.

وهذه التوصيات عبر عنها بصيغة أخرى حوار التوافق الوطني وحث عليها عندما طالب بتدريب وتثقيف منفذي القانون على احترام حقوق الإنسان.

وقد قامت وزارة الداخلية بالفعل بتنفيذ عدد من الدورات والندوات لمنتسبي الوزارة من الضباط وضباط الصف خاصة بالتوعية والإلتزام بمعايير حقوق الإنسان في الأعوام السابقة وحتى الآن، وبلغ عدد المشاركين في هذه الدورات نحو (400) من منتسبي الوزارة في عامي 2009 و2010 بخلاف المحاضرات والدورات التي يتم عقدها بصفة مستمرة لطلبة أكاديمية الشرطة خلال السنوات الدراسية. كما تم إصدار تعليمات دائمة بشأن ضرورة مراعاة واحترام حقوق المعاملة مع السجناء ويتم الإلتزام بها ومحاسبة من يقصر أو يخالفها.ويتم أيضاً تدريس مادة حقوق الإنسان كمادة أساسية لطلبة الأكاديمية الملكية للشرطة وهي ضمن منهج الدراسة بالكلية.

وتم إنشاء الشرطة المجتمعية وهي ضمن خطوات تطوير جهاز الأمن وتقوم على تعزيز مبادئ المواطنة والسلم الأهلي وترسيخ القيم الإنسانية بتقديم الرعاية للضحايا من المجني عليهم في شتى الجرائم وإيجاد حلول لحالات المشكلات الاجتماعية وفتح وسائل اتصال بين الشرطة والمجتمع لإظهار الدور الاجتماعي للشرطة وزيادة الثقة والتفاعل الإيجابي.

وتعمل وزارة الداخلية على التنسيق مع جهات أخرى في الدولة كون بعض الجهات سواء الحكومية أو منظمات المجتمع المدني لها دور كبير في تفعيل مثل هذا الجانب سواء في وسائل الإعلام أو في مراكز التعليم أو المدارس أو الفعاليات التي تقوم بها تلك الجهات.

وعلى الصعيد الإعلامي أوصت لجنة تقصي الحقائق بوضع معايير مهنية للإعلام والأشكال الأخرى للمطبوعات تتضمن مدونة وآلية للتنفيذ بهدف المحافظة على المهنية والأخلاقية بهدف تجنب إثارة الكراهية والعنف وعدم التسامح، من دون الإخلال بالحقوق المحمية دولياً لحرية التعبير.

وهذا أيضًا ما انتهى إليه المتحاورون في حوار التوافق الوطني عندما قرروا تجريم ازدراء الأعراف والأديان والطوائف، والإسراع في إصدار قانون للإعلام الإلكتروني مع مراعاة المعايير المعمول بها دوليا، والإسراع في تمرير قانون الصحافة والنشر عبر القنوات التشريعية، والإسراع في إصدار قانون الإعلام المرئي والمسموع، وعدم حبس الصحفي مع تأكيد أن يتضمن القانون الضوابط المهنية والأخلاقية التي تضمن عدم سوء استغلال المهنة.

ولاشك أن إسراع السلطة التشريعية في البت بمشروعي قانون تنظيم الصحافة والنشر وقانون الإعلام المرئي والمسموع الموجودين لديها من شأنه ضمان تحقيق هذه التوصيات وتفعيل دور الإعلام الإيجابي بالمجتمع.

وفي المجال الاجتماعي أوصى الخبراء القانونيون الدوليون باتخاذ الإجراءات المناسبة بما في ذلك الإجراءات التشريعية للحيلولة دون التحريض على العنف والكراهية والطائفية والأشكال الأخرى من التحريض والتي تؤدي إلى خرق حقوق الإنسان.

وهو ما استبقه حوار التوافق الوطني عندما أوصى المشاركون بوضع آليات لمنع الممارسات الطائفية في مؤسسات المجتمع المدني، وتفعيل المادة (4) من قانون الجمعيات التي تعالج مسألة الطائفية وتطبيق العقوبات الواردة فيه، ومنع الجمعيات السياسية من طرح الموضوعات الطائفية، وتجريم ازدراء الأعراف والأديان والطوائف.

وهي التوصيات التي قامت الحكومة باتخاذ خطوات كبيرة في سبيل تنفيذها، حيث تعمل وزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية على إضافة مادة الى مشروع قانون المنظمات الأهلية الجديد، بما يحقق هذه التوصيات، كما انتهت من إعداد مشروع تعديل القانون رقم (26) لسنة 2005 بشأن الجمعيات السياسية، بما يحقق منع الجمعيات السياسية من طرح الموضوعات الطائفية في برامجها واجتماعاتها.

وفي مجال التعليم، أوصت لجنة تقصي الحقائق بوضع برامج تعليمية وتربوية في المراحل الابتدائية والثانوية والجامعية لتشجيع التسامح الديني والسياسي والأشكال الأخرى من التسامح، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان وسيادة القانون، وتضمين مبادئ حقوق الإنسان في المناهج الدراسيّة بوجه خاصّ، والفضاء المدرسيّ بوجه عامّ.

وهي ذات النتائج التي خلص إليها حوار التوافق الوطني عندما دعا إلى تطوير مناهج المواطنة والسلم الأهلي ونبذ العنف في المدارس الخاصة والحكومية بعد عمل دراسات وبحوث للتعرف على الأسباب التي أدت إلى انخراط الشباب في الأعمال المخالفة للقانون.

وقد اتخذت الحكومة إجراءات عديدة لتحقيق هذه الأهداف لأهميتها في تعزيز اللحمة الوطنية وتمتين جسور الثقة بين فئات المجتمع ومكوناته المختلفة من خلال تنفيذ مشاريع مشتركة مع الوزارات ذات العلاقة مثل وزارة الثقافة ووزارة شؤون البلديات والتخطيط العمراني ووزارة حقوق الإنسان والتنمية الاجتماعية وهيئة الإذاعة والتلفزيون والقطاع الخاص. وبناء وتصميم المناهج بما يكفل التحقق من تأصيل قيم المواطنة والتعايش المشترك بمختلف المقررات الدراسية، وتطوير الكتب المدرسيّة بجعلها متضمّنة قيم المواطنة، ومتابعة المدارس الخاصة في تطبيق منهج المواطنة ضمن المنهج الدراسي وتفعيل مواد المقرر عمليا عن طريق سلوكيات وممارسات تنمي الجانب الوطني وحس الانتماء والولاء والمواطنة الصالحة.

واضح أن أهم التوصيات التي انتهت إليها لجنة تقصي الحقائق تتوافق مع خارطة الطريق التي توافقت عليها إرادة الشعب في حوار التوافق الوطني والتي قامت الحكومة بوضعها موضع التنفيذ إيمانًا منها بأهمية هذه الخارطة في تشكيل مستقبل مشرق وآمن.

ومن أهم متطلبات المرحلة المقبلة من مراحل العمل الوطني أن تنهض السلطة التشريعية وتحديدًا مجلس النواب بالدور المنوط به من حيث سرعة التفاعل والبت في مشروعات القوانين وتعديلات القوانين التي قامت الحكومة بإحالتها إلى المجلس تنفيذًا للمرئيات المختلفة لحوار التوافق الوطني.

إن توصيات وملاحظات لجنة تقصي الحقائق الدولية أثبتت الجدية الكاملة والرؤية الموضوعية الشاملة للمشاركين في حوار التوافق الوطني، كما أنها كانت بمثابة رد حاسم على كل المشككين في هذا الحوار ومرئياته.

وإذا كانت توصيات لجنة تقصي الحقائق موضع اتفاق عام وقبول من جميع مكونات المجتمع البحريني قيادة وحكومة وشعبًا، وبالنظر إلى أن هذه التوصيات تتوافق مع مرئيات حوار التوافق الوطني، فإن من الأهمية الآن ضرورة التكاتف حول الحكومة التي أنجزت الكثير من تلك المرئيات وهي في طريقها لإنجاز ما تبقى من مرئيات.

إن طبيعة المرحلة الراهنة تفرض على السلطة التشريعية في المقام الأول أن ينحي أعضاؤها خلافاتهم جانبًا في هذا التوقيت الحاسم من تاريخ مملكة البحرين وألا يضيعوا جهودهم ووقتهم وهو في الأصل وقت الشعب في مناوشات ومساومات لا تسمن ولا تغني من جوع، فقد كان الأمل معقودًا على مجلس النواب في تحقيق الكثير والكثير بعد أن جاءت تشكيلته خالية من أعضاء متخصصين في إثارة الأزمات والمناكفات، إلا أن اداء النواب حتى الآن ليس على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقهم ولا الآمال والطموحات المعلقة عليهم، والأمل كل الأمل أن ينهضوا سريعًا ويركزوا جميعا بالتعاون مع السلطة التنفيذية من أجل تنفيذ جميع مرئيات ومخرجات حوار التوافق الوطني من أجل مواصلة مسيرة النهضة البناء في إطار من التلاحم الوطني الذي يميز العملية التنموية والديمقراطية في البلاد.