الاعلام الغربى وتقرير تقصى الحقائق البحرينية ... غياب واضح للمهنية

Submitted by dody on ثلاثاء, 12/13/2011 - 01:04

الاعلام الغربى وتقرير تقصى الحقائق البحرينية...غياب واضح للمهنية

---

    شريف ابراهيم

باحث فى الشئون العربية

ليست مبالغة القول أن الاعلام بمختلف وسائله وصوره اضحى لاعبا دوليا وفاعلا مهما فى صنع الحقائق وتحريك الاحداث وضبط ايقاعها. فصحيح أن الفاعلين فى المجال الدولى حتى اوائل القرن العشرين كانت قاصرة على الدول وسياساتها، وصحيح ايضا انه مع التطور المذهل فى وسائل المواصلات والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات شهد المجال الدولى فاعلين آخرين ضمن منظومة النظام العالمى، بما جعل من الصعوبة بمكان على الباحثين والمهتمين بل ومن المهم على صانعى السياسات ومتخذى القرارات ان يتغافل دور هؤلاء الفاعلين، خاصة وان تأثيرها عابر للحدود من ناحية، ومن الصعوبة التحكم فيه من ناحية أخرى، وهو ما ينطبق بصورة جلية على الاعلام بمختلف صوره وأدواته وآلياته.

فى ضوء ما سبق، اصبح من الاهمية بمكان رصد توجهات الاعلام الدولى من خلال الوقوف سريعا على بعض ما يُنشر فى وسائله حيال مختلف القضايا والمشكلات التى يشهدها عالم اليوم. واذا كان هذا صحيحا فى مجمله، فإنه يصبح اكثر اهمية بالنسبة الى الازمة التى عاشتها البحرين وما وضعته القيادة السياسية من سياسات وما اتخذته من قرارات وما قامت به من اجراءات تطبيقية لاحتواء الازمة والحفاظ على مكتسبات الدولة وحقوق مواطنيها. وكان من أبرزها القرار الملكى بتشكيل لجنة دولية برئاسة البروفسور شريف بسيونى لتقصى الحقائق فيما وقع من احداث، والتى انهت تقريرها فى اواخر نوفمبر الماضى بما تضمنه من رصد للحقائق وتحليل للوقائع وتقييم للسياسات وطرح للاستراتيجيات، جعل الجميع يشهد بحرفيته ومهنيته وتميزه بالحياد والموضوعية دون تهويل او تهوين.

ولكن، كانت لوسائل الاعلام المختلفة رؤي متنوعة حيال ما تضمنه التقرير من حقائق وما كشفه من وقائع وما سجله من احداث وما خلص اليه من نتائج واستنتاجات، فاصبحت قراءة التقرير ومحتواه قراءة متحيزة من جانب كثير من وسائل الاعلام وخاصة الغربية، فصحيح ان ثمة كتابات عكست ما تضمنه التقرير من مهنية عالية وتميز واضح فى تسجيل الحقائق والاحداث، طارحين تساؤلات عن مستقبل توجهات المملكة وقيادتها فى كيفية التعامل مع توصيات التقرير، مرحبين ما تم اتخاذه من قرارات كاقالة رئيس جهاز الامن الوطنى واعادة هيكلة جهاز الشرطة البحرينية للارتقاء باداءه، فضلا عن الاسراع بتشكيل لجنة وزارية تحت اشراف رئيس الوزراء البحرينى بمتابعة تنفيذ كافة التوصيات التى تضمنها التقرير. إلا انه على الجانب الاخر، اتخذت كتابات فى وسائل الاعلام الاوروبية والامريكية نهج التشكيك فيما تضمنه التقرير من حقائق وما طرحه من توصيات من ناحية، ومن ناحية أخرى، تبنت آراء بعض القوى السياسية التى رفضت التقرير معللة موقفها بعدم قدرة الحكومة البحرينية على تنفيذ ما جاء به من توصيات، وهو قول يخالف حقائق الواقع التى كشفت عن نية حقيقة وجادة لدى الحكومة البحرينية بتنفيذ ما جاء فى التقرير، وليس ادل على ذلك من الموقف المرحب الذى اتخذه العاهل البحرينى بداية بما تضمنه التقرير من انتقادات لاداء جهاز الشرطة البحرينية، كما تقبلت الحكومة البحرينية بصدر رحب تلك الانتقادات معتبرة اياها نقاط حقيقية لتصحيح المسار، هذا فضلا عن الاسراع بادخال تعديلات على العديد من التشريعات المتعلقة بقضايا الحريات وحقوق الانسان، يضاف إلى ذلك القرار بانشاء هيئة وطنية مستقلة لحقوق الانسان يكون هدفها الاساسى هو الارتقاء بمجالات حقوق الانسان البحرينى والعمل على كفالتها وحمايتها والحفاظ على حرياته.

خلاصة القول، انه يجب على الاعلام الغربى بصفة خاصة والدولى بصفة عامة يتحرى الحياد والموضوعية وأن يُغلب حقائق الواقع على توجهاته وانتماءاته، صحيح ان الاعلام الغربى فى كثير من جوانبه يتسم بالنزاهة والمهنية إلا انه فى قليل منه يرى حقائق المنطقة العربية من رؤيته الخاصة ووفق معتقداته وتصوراته للاحداث من ناحية، وبما بتفق مع مصالح بلاده من ناحية اخرى، اخذا فى الاعتبار ان هذا لا ينطبق على الاعلام الغربى والدولى فى عمومه، وإنما يتعلق الامر ببعض الكتاب التى تحكمها توجهاتها ومعتقداتها فى مواقفها حيال بعض القضايا والمشكلات، بما يفرض على الجميع ان يضع شعار المهنية قبل العقيدة والحياد قبل الانتماء والنزاهة قبل المصلحة، وحتى لا يكون الحديث مطلق على عواهنه، يعبر المقال الذى كتبه "باتريك كوكبرن" بصحيفة إندبندنت فى 27 نوفمبر 2011، كنموذج واضح لغياب الحيادية حيث أشار فى مقاله:"بسخرية كيف أن نتائج التقارير جاءت صادمة للعائلة المالكة البحرينية خاصة عندما أعلن صراحة المحامي الأمريكي المصري "شريف بسيوني" في تقريره المكون من 500 صفحة الأسبوع الماضي أنه لا يوجد أي دليل على تورط طهران في أحداث البحرين.... مما لا شك فيه، يؤمن ملوك وأمراء الخليج فقط بنظرياتهم المؤامرة الخاصة بهم"، متناسين ان التاريخ واحداثه تظل مذكرة للجميع بما شهده الماضى من وقائع لا يمكن اغفالها او تجاوزها، منها على سبيل المثال وليس الحصر قيام إيران بتقديم شكوى رسمية إلى الامين العام للامم المتحدة "بان كي مون" في 16 أبريل 2011 بأن تتخذ الأمم المتحدة إجراءات فورية في البحرين بغرض حماية المعارضة هناك. ليس هذا فحسب، بل تكشف تصريحات المسؤولين الإيرانيين، "آية الله جنتى" والرئيس الايرانى "أحمد نجاد" بل والمرشد الاعلى آية الله"علي خامنئي"، والتى تؤكد على التدخل السافر والمرفوض فى الشأن البحرينى.