البحرين فى تقرير فريدوم هاوس ... مغالطات وأخطاء

Submitted by dody on أربعاء, 12/07/2011 - 00:35

البحرين فى تقرير فريدوم هاوس ... مغالطات وأخطاء

---

احمد ابراهيم

باحث سياسى

ضمن التقرير السنوى الذى تصدره منظمة "فريدوم هاوس" التى تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، والذى يعنى بتقييم الحريات الديمقراطية من حقوق مدنية وحرية الصحافة وغيرها في جميع بلدان العالم، جاء الحديث عن مملكة البحرين هذا العام مركزا فيما شهدته من احداث واضطرابات مؤسفة خلال الفترة من الرابع عشر من فبراير وحتى اواخر مارس 2011، ليكشف عن جملة من المغالطات والاخطاء سواء المنهجية او المعلوماتية، تبرز على النحو التالى:

أولا-جاء الفصل الخاص بالبحرين تحت عنوان:"حتى لا نقتل حاملى الرسائل: القمع الوحشى فى البحرين"، وهو ما يشير بجلاء إلى اتسام التقرير بداية بالتحيز غير العلمى واصدار احكام مسبقة على الاوضاع دون تحليل او فحص وتمحيص، يدلل على ذلك أن التقرير لم يرد يتضمن رصدا واضحا للتجاوزات التى ارتكبها المتظاهرون ومثلت خروجا على القواعد القانونية الحاكمة فى المملكة، كما مثلت تهديدا للامن والاستقرار، فضلا عن اعتداءاتها على العديد من الممتلكات العامة والخاصة.

ثانيا-كان اسلوب التقرير فى رصده للاحداث والوقائع اقرب الى الاسلوب التقريرى منه الى الاسلوب العلمى التحليلى القائم على استعراض الاحداث وتحليلها بمنهجية علمية تقيم الدليل وتدحض الادعاءات، فاذا كان صحيحا ان ثمة اخطاء وقعت فيها بعض قوات الامن البحرينية كما جاء فى تقرير لجنة تقصى الحقائق البحرينية، إلا انها غفلت الحقائق التى رصدتها اللجنة التى تعاملت مع الازمة بمنهجية وحرفية علمية، حيث كشفت اللجنة فى تقريرها على الخروقات التى ارتكبت من جانب المتظاهرين سواء بالنسبة الى السنة من السكان البحرينين فضلا عن اعتداءات المتظاهرين على الاجانب من الجنسيات المختلفة وخاصة الاسيوية. ولم يقتصر الامر على ذلك فحسب، بل جاء التقرير ليخالف صراحة ما اثبتته لجنة تقصى الحقائق بشأن الانتهاكات التى شهدها مجمع السلمانية الطبى، ففى الوقت الذى ينص فيه تقرير فريدوم هاوس على "انه تم رصد حالات الاعتقال وتعذيب للعاملين فى المجال الطبى نتيجة تمسكهم بشرف المهنة" يأتى تقرير تقصى الحقائق ليعلن بكل وضوح ان ما قام به الطاقم الطبى من ممارسات اثناء الازمة يمثل خروجا على اداب المهنة وشرفها وخلطا متعمدا بين الانتماءات السياسية والطائفية وبين اداء الواجب المهنى والطبى، وهو ما يحملهم جزء كبيرا من مسئولياتهم امام ضميرهم المهنى من ناحية ومسئولية جنائية امام القضاء البحرينى من ناحية اخرى، خاصة وأن التقرير قد أشار الى عدم احترام الطاقم الطبى لخصوصية المرضى كما ينص على ذلك ميثاق الشرف الطبى من خلال السماح لوسائل الاعلام المختلفة بالدخول فى غرف المستشفى وحجرات العناية المركزة به وهو ما يمثل انتهاكا صريحا وواضحا لحقوق المرضى وخصوصيتهم.

ثالثا-لم يقتصر الامر على ما سبق فحسب، بل يأتى موقف التقرير من دخول قوات درع الجزيرة ليشير الى عدم فهم واضعى التقرير لطبيعة العلاقات الخليجية الخليجية وعدم معرفته باتفاقيات مجلس التعاون الخليجي وما تفرضه على جميع الدول الاعضاء فى المجلس من التعاون سويا ضد اية تهديدات يتعرض لها اعضاءها، وهو ما عبر عنه صراحة تقرير لجنة تقصى الحقائق فى اقرار هذه الحقيقية فى ضوء القراءة الصحيحة لاتفاقيات الدفاع المشترك بين دول المجلس. كما اكد التقرير على احترام هذه القوات لخصوصية المجتمع البحرينى دون الانغماس فى خلافات ابناء، حيث ظل ملتزما للحياد دون التدخول فى شئون البلاد الداخلية، فقد اشار التقرير انه لم يثبت ان ثمة تجاوزات ارتكبتها تلك القوات، وهو ما يدحض ادعاءات تقرير فريدوم هاوس.

رابعا-من المهم القول أن ما قامت به قوات الامن البحرينية تجاه هؤلاء المتظاهرين يظل مرتبطا بسعيها إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار الداخلى، فكل دولة مطالبة للتعامل بحسم مع من يأتون بتصرفات تؤدى إلى حالة من عدم الاستقرار وفقدان الأمن حفاظا على وحدة الدولة وتماسكها وحماية وحدة الوطن وهويته. وهو ما ينطبق بوضوح على موقف القوات البحرينية، وإن شهدت بعض ممارساتها تجاوزات بسبب صعوبة الاحداث وفجائيتها من ناحية، ووجود ايادى خافية خارجية سعت الى العبث بامن البلاد واستقرارها من ناحية اخرى. ولكن، يظل  تعهد العاهل البحرينى بمحاسبة المسئولين عن تلك الانتهاكات الضمانة الاكيدة لتحقيق العدل وحماية حقوق المواطنين وصون حرياتهم. ودون الدخول فى مقارنات تكشف النظرة السريعة لما أقدمت عليه السلطات الأمريكية مع المتظاهرين المناهضين لوول استريت من تفكيك لمخيماتهم واعتقال العشرات منهم وكذلك إلقاء القبض على مجموعات أخرى، تكشف عن ان الدافع وراء هذه السياسات الاعتبارات الامنية وحماية الاستقرار، وإن وقعت تجاوزات او انتهاكات تكون غير مقصودة وغير متعمدة وتظل ممارسات فردية وليست ممنهجة، حيث يظل تعامل كل الدول فى سياستها الداخلية من منطلق أن أمن الوطن خط أحمر لا يجوز المساس به.

خامسا-اغفل التقرير جانب مهم فى الازمة البحرينية، فاذا كان صحيحا انه اشار بصورة خاطئة الى تدخل قوات درع الجزيرة معتبرا انها "تعزيزات اجنبية" على حد وصفه، فصحيح ايضا ان تجاهل اليد الايرانية التى برزت فى العديد من التجليات سواء اعلامية او لوجستية او مادية واشعلت الازمة بصورة كادت ان تعصف بكيان الدولة واستقرارها. واذا كان تقرير تقصى الحقائق قد اشار إلى انه لم يثبت وجودا ايرانيا فى الازمة البحرينية، إلا انه لم ينف فى الوقت ذاته امكانية هذا الوجود بصورة غير مادية، خاصة فى ظل الموقف العاقل الذى اتخذته الحكومة البحرينية في عدم تقديم ما لديها من ادلة على التدخلات الايرانية لاسباب امنية. فنظرة سريعة وفاحصة لوسائل الاعلام الايرانية يتأكد موقفها وتدخلاتها، بل يتأكد هذا التواجد فيما رُفع من لافتات وصور واعلام فى التظاهرات. 

سادسا-غنى عن القول ان المطالبات او التوصيات التى طرحها التقرير فى نهايته بشأن السياسة الامريكية – مع الاخذ فى الحسبان دعم الحكومة الامريكية لهذه المنظمة- تجاه مملكة البحرين سواء فيما يتعلق بممارسة الضغوط على الحكومة البحرينية او ربط الصفقات العسكرية باستجابة الحكومة البحرينية للمطالب الامريكية. تمثل هذه المطالبات خرقا واضحا لقواعد القانون الدولى ومبادئه التى ترتكز فى جوهرها على احترام سيادات الدولة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول إلا وفقا لمتقتضيات السلم والامن الدوليين وتحت مظلة دولية وليس من خلال ممارسات ثنائية تفرض بها الدولة الاقوى سلطتها وسيطرتها على الدولة الاضعف فى النظام الدولى. وهو ما يكشف التناقض الواضح فى سياسات القائمين على المنظمة فكيف تطالب المنظمة فى تقريرها حماية الحريات والحقوق واحترام الخصوصيات فى بلدان العالم، ثم تطالب فى ذات الوقت بفرض هيمنه وسيطرة امريكية على شئون البلدان وتوجيهها بما يتناسب مع مصالحها.

خلاصة القول أن تقرير منظمة فريدوم هاوس يظل مجرد رصد لواقع متحيز يكشف عن مغالطات واخطاء تستوجب على القائمين عليه ان تدركها مستقبلا وأن تراعى فى تقاريرها الخصوصيات الداخلية للدول وتناين الثقافات السياسية لشعوبها واختلاف التركيبات المجتمعية دون تهوين من شأن الانتهاكات التى تقع فى هذه البلدان وكذلك دون تهويل، وذلك من أجل كسب المصداقية لدى الرأى العام سواء العربى او العالمى الذى اضحى صانع فاعل فى سياسات الدولة وقراراتها.